للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلك معه ولده صلاح الدين من الأدب ماهو اللائق بمثله، وعرض عليه الأمر كله فأبى وقال: يا ولدي، ما اختارك الله تعالى لهذا الأمر إلا وأنت أهل له، ولا ينبغي أن تغير موضع السعادة، ولم يزل عنده حتى استقل صلاح الدين بمملكة البلاد كما هو مذكور في ترجمته.

ثم خرج صلاح الدين إلى الكرك ليحاصرها وأبوه بالقاهرة، فركب يوماً ليسير على عادة الحند، فخرج من باب النصر أحد أبواب القاهرة، فشب به فرسه فألقاه في وسط المحجة، وذلك في يوم الاثنين ثامن عشر ذي الحجة من سنة ثمان وستين وخمسمائة، فحمل إلى داره، وبقي متألما إلى أن توفي يوم الأربعاء السابع والعشرين من الشهر المذكور، هكذا ذكره جماعة من المؤرخين، منهم عماد الدين الكاتب الأصبهاني، لكنه قال: إن وفاته كانت يوم الثلاثاء.

ورأيت في تاريخ كمال الدين بن العديم فصلا نقله من تعليق العضد مرهف بن أسامة بن منقذ، قال: إنه توفي يوم الاثنين الثامن عشر من ذي الحجة. قلت: ظاهر الحال أن العضد ما اوقعه في هذا الوهم إلا أنه اعتقد أنه توفي في اليوم الذي سقط فيه عن فرسه، فان هذا التاريخ هو تاريخ سقوطه عن الفرس لا تاريخ وفاته، والله أعلم.

ولما مات دفن إلى جاب أخيه أسد الدين شيركوه في بيت بالدار السلطانية ثم نقلا بعد سنين إلى المدينة الشريفة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

ورأيت في تاريخ القاضي الفاضل الذي رتبه على الأيام وهو بخطه، يذكر فيه ما يتجدد في كل يوم، فقال: وفي يوم الخميس رابع صفر سنة ثمانين وخمسمائة وصل كتاب بدر الأسدي - يعني من المدينة - يخبر بوصول تابوتي الأميرين: نجم الدين أيوب وأسد الدين شيركوه، واستقرارهما بتربتهما مجاورين الحجرة المقدسة النبوية، نفعهما الله تعالى بمجاورتها.

ولما عاد صلاح الدين من الكرك إلى الديار المصرية بلغة الخبر في الطريق فشق عليه حيث لم يحضره، وكتب إلى ابن أخيه عز الدين فروخ شاه بن

<<  <  ج: ص:  >  >>