للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يلحف بيض طمع جناحاً، وأن يستقدح زنداً وارياً أو شحاحاً:

وأدبني الزمان فلا أبالي ... هجرت فلا أزار ولا أزور

ولست بقائل ما عشت يوماً ... أسار الجند أم رحل الأمير وكان المقام بمرو الشاهجان، المفسر عندهم بنفس السلطان، فوجد بها من كتب العلوم والآداب، وصحائف أولى الأفهام والألباب، ما شغله عن الأهل والوطن، وأذهله عن كل خل صفي وسكن، فظفر منها بضالته المنشودة، وبغية نفسه المفقودة، فأقبل عليها إقبال النهم الحريص، وقابلها بمقام لا مزمع عنها ولا محيص (١) ، فجعل يرتع في حدائقها، ويستمتع بحسن خلقها وخلائقها، ويسرح طرفه في طرفها، ويتلذذ بمبسوطها ونتفها، واعتقد المقام بذاك الجناب، إلى أن يجاور التراب:

إذا ما الدهر بيتني بجيشٍ ... طليعته اغتمام واغتراب

شننت عليه من جهتي كميناً ... أميراه الذبالة والكتاب

وبت أنص من شيم الليالي ... عجائب من حقائقها ارتياب

بها أجلو همومي مستريحاً ... كما جلى همومهم الشراب إلى أن حدث بخراسان ما حدث من الخراب، والويل المبير والتباب، وكانت لعمر الله بلاداً مونقة الرجاء، رائقة الأنحاء، ذات رياض أريضة، وأهوية صحيحة مريضة، قد تغنت أطيارها، فتمايلت طرباً أشجارها، وبكت أنهارها، فتضاحكت أزهارها، وطاب روح نسيمها، فصح مزاج إقليمها، ولعهدي بتلك الرياض الأنيقة، والأشجار المتهدلة الوريقة، وقد ساقت إليها أرواح الجنائب، زقاق خمر السحائب، فسقت مروجها مدام الطل، فنشأ على أزهارها حباب كاللؤلؤ المنحل، فلما رويت من تلك (٢) الصهباء أشجاره، رنحها من النسيم خماره، فتدانت ولا تداني المحبين، وتعانقت ولا عناق


(١) ن ق ع ص بر من: لا يزمع عنها معه محيص.
(٢) تلك: سقطت من ص ن.

<<  <  ج: ص:  >  >>