للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المصطفين الأخبار (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة: فجاس خلال تلك الديار أهل الكفر والإلحاد، وتحكم في تلك الأبشار أولو الزيغ والعناد (١) ، فأصبحت تلك القصور، كالممحو من السطور، وأمست (٢) تلك الأوطان مأوى الأصداء والغربان، تتجاوب في نواحيها البوم، وتتناوح في أراجيها (٣) الريح السموم، ويستوحش فيها الأنيس، ويرثي لمصابها إبليس:

كأن لم يكن فيها أوانس كالدمى ... وأقيال ملك في بسالتهم أسد

فمن حاتم في وجوده وابن مامة ... ومن أحنف إن عد حلم ومن سعد

تداعى بهم صرف الزمان فأصبحوا ... لنا عبرة تدم الحشا ولمن بعد فإنا لله وإنا إليه راجعون من حادثة تقصم الظهر، وتهدم العمر، وتفت في العضد، وتوهي الجلد، وتضاعف الكمد، وتشيب الوليد، وتنخب لب الجليد، وتسود القلب، وتذهل اللب، فحينئذ تقهقر المملوك على عقبه (٤) ، ناكساً، ومن الأوبة إلى حيث تستقر في النفس بالأمن آيساً، بقلب واجب، ودمع ساكب، ولب عازب، وحلم غائب، وتوصل وما كاد حتى استقر بالموصل بعد مقاساة أخطار، وابتلاء واصطبار، وتمحيص الأوزار، وإشراف غير مرة على البوار والتبار، لأنه مر بين سيوف مسلولة، وعساكر مفلولة، ونظام عقود محلولة، ودماء مسكوبة مطلولة، وكان شعاره كلما علا قتبا، أو قطع سبسباً (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) الكهف: فالحمد لله الذي أقدرنا على الحمد، وأولانا نعماً تفوت الحصر والعد، وجملة الأمر أنه لولا فسحة في الأجل، لعز أن يقال سلم البائس أو وصل، ولصفق عليه أهل الوداد صفقة المغبون، وألحق بألف ألف ألف ألف ألف هالك بأيدي الكفار


(١) ن: والأفك والعناد.
(٢) ق ع ن بر من: وآضت.
(٣) ع بر من: أرجائها.
(٤) ن ق: عقبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>