للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البصري، وقد ذكر يحيى بن أكثم فعظم أمره وقال: كان له يوم في الإسلام لم يكن لأحد مثله، وذكر هذا اليوم.

وكانت كتب يحيى في الفقه أجل كتب، فتركها الناس لطولها، وله كتب في الأصول، وله كتاب أورده على العراقيين سماه " التنبيه " وبينه، وبين داود بن علي مناظرات كثيرة.

ولقيه رجل وهو يومئذ على القضاء فقال (١) : أصلح الله القاضي كم آكل قال فوق الجوع ودون الشبع، فقال: فكم أضحك قال: حتى يسفر وجهك ولا يعلو صوتك، قال: فكم أبكي قال: لا تمل من البكاء من خشية الله تعالى، قال فكم أخفي عملي قال: ما استطعت، قال: فكم أظهر منه قال: مقدار ما يقتدي بك البر الخير ويؤمن عليك قول الناس، قال الرجل: سبحان الله قول قاطن وعمل ظاعن.

وكان يحيى من أدهى الناس وأخبرهم بالأمور، رأيت في بعض المجاميع أن أحمد بن أبي خالد الأحول وزير المأمون وقف بين يدي المأمون وخرج يحيى بن أكثم من بعض المستراحات، فوقف، فقال له المأمون اصعد، فصعد وجلس على طرف السرير معه، فقال أحمد: يا أمير المؤمنين إن القاضي يحيى صديقي، وممن أثق به في جميع أموري، وقد تغير عما عهدته منه، فقال المأمون: يا يحيى إن فساد أمر الملوك بفساد خاصتهم، وما يعدلكما عندي أحد، فما هذه الوحشة بينكما فقال له يحيى: يا أمير المؤمنين والله إنه ليعلم أني له على أكثر مما وصف (٢) ، ولكنه لما رأى منزلتي منك هذه المنزلة خشي أن أتغير له (٣) يوماً فأقدح فيه عندك، فأحب أن يقول لك هذا ليأمن مني، وإنه والله لو بلغ نهاية ماءتي ما ذكرته بسوء عندك أبداً، فقال المأمون: أكذلك هو يا أحمد قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: أستعين بالله عليكما، فما رأيت أتم دهاء ولا أعظم فطنة منكما.


(١) تاريخ بغداد: ٢٠٠.
(٢) ع ص ق: يصف.
(٣) ر: أعتزله.

<<  <  ج: ص:  >  >>