وصل إلى المهدية محمد بن تومرت - المقدم ذكره (١) - قادماً من الحج، فنزل بمسجد قبلي مسجد السبت، فاجتمع إليه جماعة من أهل المهدية وقرأوا عليه كتباً في علم أصول الدين، وشرع في تغيير المنكر، فرفع أمره إلى يحيى فأحضره وجماعة من الفقهاء، فرأى ما هو عليه من الخشوع والتقشف والعلم، فسأله الدعاء فقال له: أصلحك الله لرعيتك، ونفع بها ذريتك، وأقام مدة يسيرة بالمهدية ثم انتقل إلى المنستير فأقام بها مدة، ثم انتقل إلى بجاية - وقد تقدم في ترجمة والده الأمير تميم أن محمد بن تومرت المذكور اجتاز بتلك البلاد في أيامه، والله تعالى أعلم أي ذلك كان.
ثم قال عبد العزيز: وفي سنة سبع وخمسمائة أتى إلى المهدية قوم غرباء، فقصدوا يحيى بمطالعة زعموا فيها أنهم من أهل الصناعة الكبيرة من الواصلين إلى نهايتها، فأذن لهم بالدخول عليه، فلما مثلوا بين يديه طالبهم بأن يظهروا له من الصناعة ما يقف عليه فقالوا: نحن نزيل من القصدير التدخين والصرير حتى يرجع لا فرق بينه وبين الفضة، لمولانا من السروج والقصب والبنود والأواني قناطير من الفضة يجعل عوضاً منها ما يريده ويستعمل جميع ذلك في مهماته، وسألوه أن يكون ذلك في خلوة، فأجابهم وأحضرهم للعمل، ولم يكن عند الأمير يحيى سوى الشريف أبي الحسن علي والقائد إبراهيم قائد الأعنة، وكانوا هم ثلاثة، وكانت بينهم أمارة، فأمكنتهم الفرصة، فقال أحدهم: دارت البوتقة، فتواثبوا وقصد كل واحد منهم واحداً بسكاكينهم، فأما الذي قصد الأمير يحيى فقال: أنا سراج، وكان يحيى جالساً على مصطبة، فضربه فجاءت على أم رأسه، فقطعت طاقات في العمامة، ولم تؤثر في رأسه، واسترخت يده بالسكين على صدره فخدشته، وضربه يحيى برجله، فألقاه على ظهره، فسمع الخدم الجلبة ففتحوا باب القصر من عندهم، فدخل يحيى وأغلق الباب دونهم، وأما الشريف فلم يزل به الذي قصده حتى قتله، وأما القائد إبراهيم فإنه شهر سيفه، ولم يزل يقاتل الثلاثة، وكسر الجند الباب الذي كان بينهم، ودخلوا فقتلوهم، وكان زيهم زي أهل الأندلس، فقتل في البلد جماعة ممن