للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يزيد ثياب طباخه، ووضع (١) على لحيته لحية بيضاء وخرج، فرآه بعض الحرس فقال: كأن هذه مشية يزيد، فجاء حتى استعرض وجهه ليلاً فرأى بياض اللحية فانصرف عنه، وقال: هذا شيخ. وخرج المفضل على أثره ولم يفطن له، فجاؤوا إلى سفينة (٢) وقد هيؤوها في البطائح وبينهم وبين البصرة ثمانية عشر فرسخاً، فلم انتهوا إلى السفينة أبطأ عليهم عبد الملك وشغل عنهم، فقال يزيد للمفضل: اركب، فإنه لاحق، فقال المفضل، وكان عبد الملك أخاه لأمه: لا والله لا أبرح حتى يجيء عبد الملك ولو رجعت إلى السجن، فأقام يزيد حتى جاءهم عبد الملك، وركبوا في السفينة، وساروا ليلتهم حتى أصبحوا.

ولما أصبح الحرس علموا بذهابهم، فرفع ذلك إلى الحجاج، ففزع لذلك الحجاج وذهب وهمه أنهم ذهبوا قبل خراسان، وبعث البريد إلى قتيبة بن مسلم يحذره قدومهم ويأمره أن يستعد لهم، وبعث إلى أمراء الثغور والكور أن يرصدهم ويستعدوا، وبعث إلى الوليد بن عبد الملك يخبره بهم، وأنه لا يراهم أرادوا إلا خراسان. ولم يزل الحجاج يظن بيزيد ما صنع، كان يقول: إني لأظنه يحدث نفسه بمثل الذي صنع ابن الأشعث - قلت: ابن الأشعث هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، وكان قد خرج على عبد الملك بن مروان، وقصته مشهورة مذكورة في التواريخ - قال الطبري (٣) : ولما دنا يزيد من البطائح استقبلته الخيل، وقد هيئت لهم، فخرجوا عليهم ومعهم دليل، فأخذ بهم على السماوة، وأتي الحجاج بعد يومين فقيل له: إنما أخذ الرجل طريق الشام، وهذه الخيل حسرى في الطريق، وقد أتى من رآهم متوجهين في البر، فبعث إلى الوليد يعلمه بذلك، ومضى يزيد حتى قدم فلسطين، فنزل على وهيب بن عبد الرحمن الأزدي، وكان كريماً على سليمان بن عبد الملك، وجاء وهيب حتى دخل على سليمان فقال: إن يزيد واخوته عندي، وقد أتوا هراباً من الحجاج متعوذين بك، فقال: آتني بهم فهم آمنون لا يوصل


(١) بر: وجعل.
(٢) الطبري: سفنهم؛ وهي بصيغة الجمع في بقية النص.
(٣) متابع لنص الطبري: ١٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>