للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموت بيني وبينك، فإن استطاع أمير المؤمنين، أدام الله سروره أن لا يأتي علينا أجل الوفاة إلا وهو لي واصل ولحقي مؤد وعن مساءتي نازع، فليفعل؛ والله يا أمير المؤمنين ما أصبحت لشيء من أمور الدنيا بعد تقوى الله تعالى فيها بأسر مني برضاك وسرورك، ولرضاك مما ألتمس به رضوان الله، فإن كنت يا أمير المؤمنين تريد يوماً من الدهر مسرتي وصلتي وكرامتي وإعظام حقي فتجاوز لي عن يزيد، وكل ما طلبته به فهو علي "، فلما قرأ كتابه قال: لقد شققنا على سليمان، ثم دعا ابن أخيه فأدناه منه، ثم تكلم يزيد فحمد الله تعالى وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا أمير المؤمنين، إن بلاءكم عندنا أحسن البلاء، فمن ذلك فلسنا ناسيه، ومن يكفر فلسنا كافريه، وقد كان من بلائنا، أهل البيت، في طاعتكم والطعن في أعين أعدائكم في المواطن العظام في المشارق والمغارب ما إن المنة فيه عظيمة، فقال له: اجلس، فجلس فآمنه وكف عنه، ورجع إلى سليمان، وسعى إخوته في المال الذي عليه، وكتب إلى الحجاج: إني لم أصل إلى يزيد وأهل بيته مع سليمان، فاكفف عنهم، واله عن الكتاب إلي فيهم، فلما رأى ذلك الحجاج كف عنهم،. وكان أبو عيينة عند الحجاج عليه ألف ألف درهم فتركها له، وكف عن حبيب بن المهلب، وأقام يزيد عند سليمان تسعة أشهر في أرغد عيش وأنعم بال لا تأتي سليمان هدية إلا أرسل نصفها إليه (١) .

وقال بعض جلساء يزيد له: لم لا تتخذ لك داراً فقال: وما أصنع بها ولي دار حاصلة مجهزة على الدوام فقال له: وأين هي قال: إن كنت متولياً فدار الإمارة، وإن كنت معزولاً فالسجن.

ومن كلام يزيد: ما يسرني أن أكفى أمور دنياي كلها ولي الدنيا بحذافيرها، فقيل له: ولم ذاك فقال: لأني أكره عادة العجز.

ثم إن الحجاج مات في شوال سنة خمس وتسعين للهجرة (٢) ، وقيل كانت وفاته لخمس ليال بقين من شهر رمضان من السنة، وعمره ثلاث وخمسون سنة،


(١) هنا يتوقف النقل مؤقتاً عن الطبري.
(٢) انظر الطبري ٢: ١٢٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>