للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بنادق مسك فيها رقاع بأسماء ضياع وأسماء جوار وصفات دواب وغير ذلك، فكانت البندقة إذا وقعت في يد الرجل فتحها، فيقرأ ما في الرقعة، فإذا علم مافيها مضى إلى الوكيل المرصد لذلك فيدفعها إليه ويتسلم ما فيها سواء كان ضيعة أو ملكا آخر أو فرسا أو جارية أو مملوكاً.

ثم نثر بعد ذلك على سائر الناس الدنانير والدراهم ونوافج المسك وبيض العنبر، وأنفق على المأمون وقواده وجميع أصحابه وسائر من كان معه من أجناده واتباعه، وكانوا خلقاً لا يحصى، حتى على الجمالين والمكاربة والملاحين وكل من ضمه عسكره، فلم يكن في العسكر من يشتري شيئاً لنفسه ولا لدوابه.

وذكر الطبري في تاريخه (١) أن المأمون أقام عند الحسن تسعة عشر يوماً، يعد له في كل يوم ولجميع من معه ما يحتاج إليه، وكان مبلغ النفقة عليهم خمسين ألف ألف درهم، وأمر له المأمون عند منصرفه بعشرة آلاف ألف درهم، وأقطعه فم الصلح، فجلس الحسن وفرق المال على قواده وأصحابه وحشمه، ثم قال: بعد هذا خرج المأمون نحو الحسن لثمان خلون من شهر رمضان، ورحل من فم الصلح لسبع بقين من شوال سنة عشر ومائتين، وهلك حميد بن عبد الحميد يوم الفطر من هذه السنة، وقال غيره: وفرش للمأمون حصير منسوج بالذهب، فلما وقف عليه نثرت على قدميه لآلىء كثيرة، فلما رأى تساقط الآلىء المختلفة على الحصير المنسوج بالذهب قال: قاتل الله أبا نواس! كأنه شاهد هذه الحال حين قال (٢) في صفة الخمر والحباب الذي يعلوها عند المزاج:

كأن صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباء در على أرض من الذهب وقد غلطوا أبا نواس في هذا البيت، وليس هذا موضع إبانة الغلط (٣) .


(١) تاريخ الطبري ١٠: ٢٧٢.
(٢) هـ: حتى قال.
(٣) هامش ب: يريد بتغليط أبي نواس أنه استعمل أفعل التفضيل بدون أحد الأمور الثلاثة وهي: من أو اللام أو الإضافة، لأن صغرى فعلى أفعل ... الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>