للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وولي يعقوب زين له هواه، فأنفق الأموال وأكبّ على اللذات والشرب وسماع الغناء، واشتغل يعقوب بالتدبير، ففي ذلك يقول بشر بن برد الشاعر المشهور - المقدم ذكره في حرف الباء (١) -:

بني أمية هبّطوا طال نومكم ... إن الخليفة يعقوب بن داود

ضاءت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة الله بين الزق (٢) والعود وكان أبو حارثة النهدي يتقلد خزن بيوت الأموال، فلما خلت من المال دخل إلى المهدي ومعه المفاتيح وقال له: إذا كنت قد أنفقت جميع الأموال فما معنى هذه المفاتيح معي مر من يقبضها مني، فقال له المهدي: دعها معك فإن الأموال تأتيك. ثم سير في استحثاث الأموال فوردت عليه في مدة يسيرة، وقصر في النفقات قليلاً فتوفرت الأموال، وتشاغل أبو حارثة في قبض ما ورد عليه وتصحيحه، فلم يدخل إلى المهدي ثلاثة أيام، فقال المهدي: ما فعل هذا الأعرابي الأحمق فخبر بالسبب في تأخره، فدعا به وقال له: ما أخرك عنا فقال: ورود الأموال، فقال: يا أحمق توهمت أن الأموال لا تأتينا. فقال: يا أمير المؤمنين، إن الحادث لو حدث واحتيج إلى المال ولم يصلح إلا به لم ينتظر حتى يوجه في حمل الأموال.

وروي أن المهدي حج في بعض السنين فمر بميلٍ وعليه كتابة، فوقف وقرأه فإذا هو:

لله درك يا مهدي من رجلٍ ... لولا اتخاذك يعقوب بن داود فقال لمن معه: اكتب تحته على رغم أنف الكاتب لهذا وتعساً لجده! فلما انصرف وقف على الميل فقلنا: لم يقف عليه إلا لشيء قد علق بقلبه من ذلك الشعر، فكان كذلك لأنه أوقع بيعقوب بعد قليل.


(١) انظر ج ١: ٢٧١.
(٢) المختار: الدف؛ بر من: الدن.

<<  <  ج: ص:  >  >>