للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد كنت عند الرشيد وقد أتي بعبد الملك يرفل في قيوده، فلما نظر الرشيد إليه قال له: هيه يا عبد الملك، كأني والله أنظر إلى شؤبوبها قد همع، وإلى عارضها قد لمع، وكأني بالوعيد قد أقلع عن براجم بلا معاصم، ورؤوس بلا غلاصم، مهلا مهلا بني هاشم، فبي والله سهل لكم الوعر وصفا لكم الكدر، وألقت إليكم الأمور أثناء أزمتها، فخذوا حذاركم مني قبل حلول داهية خبوطٍ باليد والرجل، فقال له عبد الملك: أفذاً أتكلم أم وتوأما، فقال: بل توأما، فقال: اتق الله يا أمير المؤمنين فيما ولاك، وراقبه في رعاياك التي استرعاك، فقد سهلت والله لك الوعور، وجمعت على خوفك ورجائك الصدور، وكنت كما قال أخو بني جعفر بن كلاب (١) :

ومقامٍ ضيقٍ فرجته ... بلسانٍ وبيانٍ وجدل

لو يقوم الفيل أو فيّاله ... زلّ عن مثل مقامي وزحل قال: فأراد يحيى بن خالد البرمكي أن يضع من مقدار عبد الملك عند الرشيد، فقال له: يا عبد الملك بلغني أنك حقود، فقال له: أصلح الله الوزير، إن يكن الحقد هو بقاء الخير والشر عندي فإنهما لباقيان في قلبي.

قال الأصمعي: فالتفت الرشيد إليّ وقال: يا أصمعي حررها، فوالله ما احتج أحد للحقد بمثل ما احتج به عبد الملك، ثم أمر به فرد إلى محبسه.

قال الأصمعي: ثم التفت الرشيد إلي وقال: يا أصمعي والله لقد نظرت إلى موضع السيف من عنقه مراراً، ويمنعني من ذلك إبقائي على قومي في مثله.

قلت: وعبد الله بن صالح قد ذكرته في ترجمة أبي عبادة الوليد البحتري الشاعر المشهور ونبهت على تاريخ وفاته (٢) .

وروى يموت بن المزرع (٣) أيضاً أن أحمد بن محمد بن عبيد الله أبا الحسن


(١) هو لبيد بن ربيعة، انظر ديوانه: ١٩٣ - ١٩٤.
(٢) انظر ج ٦: ٣٠.
(٣) المختار: المرزع.

<<  <  ج: ص:  >  >>