نقلت منها هذا الفصل: إنه كتبها في سنة تسع وسبعين وخمسمائة وفرغ منها في غرة ذي القعدة من السنة بالموصل، وهو في مجلد واحد لطيف، فاخترت منه مقتضباً ما مثاله:
كان بر المغاربة الجنوبي لقبيلة تسمى زناتة برابر فخرج عليهم من جنوبي المغرب من البلاد المتاخمة لبلاد السودان الملثمون يقدمهم أبو بكر ابن عمر منهم، وكان رجلاً ساذجاً خير الطباع مؤثراً لبلاده على بلاد المغرب غير ميال إلى الرفاهية، وكانت ولاة المغرب من زناتة ضعفاء لم يقاوموا الملثمين، فأخذوا البلاد من أيديهم من باب تلمسان إلى ساحل البحر المحيط. فلما حصلت البلاد لأبي بكر ابن عمر المذكور سمع أن عجوزاً في بلاده ذهبت لها ناقة في غارة فبكت وقالت: ضيعنا أبو بكر ابن عمر بدخوله إلى بلاد المغرب، فحمله ذلك على أن استخلف على بلاد المغرب رجلاً من أصحابه اسمه يوسف بن تاشفين ورجع إلى بلاده الجنوبية.
وكان يوسف هذا رجلاً شجاعاً عادلاً مقداماً، اختط بالمغرب مدينة مراكش، وكان موضعها مكمناً للصوص، وكان ملكاً لعجوز مصمودية تمدنه منها؛ فلما تمهدت له البلاد تاق إلى العبور إلى جزيرة الأندلس، وكانت محصنة بالبحر، فأنشأ شواني ومراكب وأراد العبور إليها، فلما علم ملوك الأندلس بما يروم من ذلك أعدوا له عدة من المراكب والمقاتلة وكرهوا إلمامه بجزيرتهم، إلا أنهم استهولوا جمعه واستصعبوا مدافعته وكرهوا أن يصبحوا بين عدوين: الفرنج من شماليهم والملثمون من جنوبيهم. وكانت الفرنج تشد وطأتها عليهم، إلا أن ملوك الأندلس كانت ترهب الفرنج بإظهار موالاتهم لملك المغرب يوسف بن تاشفين، وكان له اسم كبير لنقله دولة زناتة وملك الغرب إليه في أسرع وقت، وكان قد ظهر لأبطال الملثمين في المعارك ضربات بالسيوف تقد الفارس وطعنات تنظم الكلى، فكان لهم بذلك ناموس ورعب في قلوب المنتدبين لقتالهم.
وكان ملوك الأندلس يفيئون إلى ظل يوسف بن تاشفين ويحذرونه على