ثم رحل فعبر من الجزيرة الخضراء إلى سبتة قلت: وهو المكان المعروف بزقاق سبتة يعدي الناس فيه من أحد البرين إلى الآخر، أعني بر الأندلس وبر العدوة، وقد تقدم الكلام على هذا المكان.
قال: ولما عبر يوسف إلى بر العدوة أقام عسكره بجزيرة الأندلس ريثما استراح ثم تبع آثار الأذفونش فتوغل في بلاده. ولما رجع الأذفونش إلى موضعه سأل عن أصحابه وشجعانه وأبطال عسكره فوجد أكثرهم قد قتلوا، ولم يسمع إلا نياح الثكالى عليهم، فلم يأكل ولم يشرب حتى مات هماً وغماً ولم يخلف إلا بنتا جعل الأمر إليها، فتحصنت بمدينة طليطلة.
وأما عسكر ابن تاشفين فإنهم في غارتهم هذه كسبوا من المغانم ما لم يحد ولا يوصف وأنفذوا ذلك إلى بر العدوة، واستأذن أميرهم سير ابن أبي بكر يوسف بن تاشفين في المقام بجزيرة الأندلس وأعلمه أنه قد افتتح معاقل في الثغور ورتب بها مستحفظين ورجالاً يغنون فيها، وأنه لا يستقيم لهذه الجيوش أن تقيم بالثغور في ضنك من العيش تصابح العدو وتماسيه، وتحظى ملوك الأندلس من الأرياف برغد العيش، فكتب إليه ابن تاشفين يأمره بإخراج ملوك الأندلس من بلادهم وإلحاقهم بالعدوة، فمن استعصى عليه منهم قاتله ولا ينفسّ عنه حتى يخرجه، وليبدأ منهم بمجاوري الثغور، ولا يتعرض للمعتمد بن عباد ما لم يستولِ على البلاد، ثم يولي تلك البلاد أمراء عسكره وأكابرهم. فابتدأ سير ابن أبي بكر بملوك بني هود من ملوك الأندلس ليستنزلهم من معقلهم وهي ورطة - قلت: هي بضم الراء وسكون الواو ثم طاء مهملة بعدها هاء، قلعة منيعة من عاصمات الذرا، ماؤها ينبوع في أعلاها، وكان بها من الأقوات والذخائر المختلفات ما لا تفنيه الأزمان فلم يقدر عليها فرحل عنها، ثم جند أجناداً على صور الفرنج وأمرهم أن يقصدوا هذه القلعة مغيرين عليها، ويكمن هو وأصحابه بالقرب منها، ففعلوا ذلك، فرآهم صاحب القلعة فاستضعفهم ونزل في طلبهم، فخرج سير ابن أبي بكر فقبض عليه وتسلم القلعة. ثم نازل بني طاهر بشرق الأندلس، فسلموا إليه ولحقوا بالعدوة. ثم نازل بني صمادح بالمرية وكانت قلعتهم حصينة