للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٣٩٥) وأما شيخه ابن الجبراني المذكور (١) : فهو طائي بحتري، وكان من قرية من أعمال عزاز، يقال لها جبرين قورسطايا. نسب إليها، هكذا أخبر عن نفسه، وكان متضلعاً من علم الأدب، خصوصاً اللغة فإنها كانت غالبة عليه، وكان متبحراً فيها، وكان له تصدر في جامع حلب في المقصورة الشرقية على صحن الجامع قبالة المقصورة التي يصلي فيها قضاة حلب يوم الجمعة. ولقد كنت يوماً قاعداً في هذه المقصورة، عند الدرابزين الذي إلى جهة الصحن، وإذا به قد حضر ومعه جماعة من أصحابه، وفيهم الشهاب أبو المحاسن الشواء المذكور، وجلس إلى المحراب الصغير الذي في هذه المقصورة، وهو موضع تصدره، فجعلت بالي من كلامه، وأنا في ذلك الوقت مشتغل بالأدب، فسمعته يتكلم في قاعدة الأفعال الثلاثية التي أولها واو، وهي على فعل، بكسر العين، مثل وجل وغيره، وأن مضارعه فيه أربع لغات: يوجل، ويَيجل، وياجل، ويِيجل، إلا ما شذ من الأفعال الثمانية التي هي: ورم، وورث، وورع، ووري، وومق، ووثق، ووفق، وولي، فإن مضارعها أيضاً بالكسر كماضيها، وشذ من ذلك قولهم: وسع يسع، ووطئ يطأ، وإنما انفتح هذان الفعلان في المضارع لآجل حرفي الحلق، وأطال الكلام في ذلك بما لم أقدر على حفظه في ذلك الوقت، ولم أسمع منه غير هذا الفصل.

وكان مولده يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شوال سنة إحدى وستين وخمسمائة، وتوفي يوم الاثنين سابع (٢) رجب من سنة ثمان وعشرين وستمائة بحلب، ودفن في سفح جبل جوشن، رحمه الله تعالى.


(١) ترجمة ابن الجبراني في بغية الوعاة: ١٧٢ وابن الشعار ١: ٢٨١ وقال ابن الشعار: كان رجلا فاضلاً مقرئاً مجوداً عارفاص بعلوم القرآن العزيز واللغة والنحو معرفة جيدة، وذكره القفطي في كتاب النحاة من تصنيفه (قلت: لم يرد له ذكر في الإنباه المطبوع) وكان شديد الكلب للدنيا يدخل في دنيات الأمور ويعامل المعاملات المخالفة للشريعة، ويحتمل من ضيق العيش والمأكل والمشربق والملبس ما لا يوجد من مثله، إلى أن حصل له جملة من الدنيا ما انتفع بها، وخلفها لولده، وكان بخيلاً بما عنده فما استفاد منه أحد، ولا صار له تلميذ معروف، وكان إذا لوحح في السؤال تضجر وتشيط لضيق عطنه.
(٢) ابن الشعار: سابع عشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>