مخافة أن يسمع صوت الحلب فيطلب منه لبن، ثم قال: أشعر الناس من فاخر بمثل هذا الأب ثمانين شاعراً وقارعهم به فغلبهم جميعاً.
وحكى صاحب " الجليس والأنيس "(١) في كتابه عن محمد بن حبيب عن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير أنه قيل له: ما كان أبوك صانعاً حيث يقول:
لو كنتُ أعلم أن آخر عهدهم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل فقال: كان يقلع عينيه ولا يرى مظعن أحبابه.
وقال في الأغاني أيضاً: قال مسعود بن بشر لابن مناذر بمكة: من أشعر الناس قال: من إذا شئت لعب، ومن إذا شئت جد، فاذا لعب أطمعك لعبه فيه، وإذا رمته بعد عليك، وإذا حد فيما قصد له آيسك من نفسه، قال: مثل من قال: مثل جرير حيث يقول إذا لعب:
إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا
غيض من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا ثم قال حين جد:
إن الذي حرم المكارم تغلباً ... جعل النبوة والخلافة فينا
مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم ... يا خزر تغلب من أب كأبينا
هذا ابن عمي في دمشق خليفة ... لو شئت ساقكم إلي قطينا قال: فلما بلغ عبد الملك بن مروان قوله قال: ما زاد ابن المراغة على أن جعلني شرطياً له، أما إنه لو قال " لو شاء ساقكم إلي قطينا " لسقتهم إليه كما قال، قلت: وهذه الأبيات هجا بها جرير الأخطل التغلبي الشاعر المشهور.
وقوله فيها جعل النبوة والخلافة فينا إنما قال ذلك لأن جريراً تميمي
(١) كتاب الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي لأبي الفرج المعافى بن زكريا النهرواني الجريري (- ٣٩٠) .