الفرزدق لأشعر منه وأشرف، قلنا له: لا ترد ذلك، فلم يلبث أن جاء جرير فقال له الأحوص: السلام عليك، قال: وعليك السلام، قال: يا ابن الخطفي، الفرزدق أشعر منك وأشرف، فأقبل جرير علينا فقال: من الرجل قلنا: الأحوص بن محمد بن عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري، قال: هذا الخبيث ابن الطيب، ثم أقبل عليه فقال: قد قلت:
يقر بعيني ما يقر بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قرت فإنه يقر بعينها أن يدخل فيها مثل ذراع البكر، أفيقر ذلك بعينك قال: وكان الأحوص يرمي بالأبنية، فانصرف وأرسل إليه بتمر وفاكهة؛ وأقبلنا نسأل جريراً وهو في مؤخر البيت وأشعب عند الباب فأقبل أشعب يسأله، فقال له جرير: والله إنك لأقبحهم وجهاً ولكني أراك أطولهم حسباً وقد أربمتني، قتال: أنا والله أنفعهم لك، فانتبه جرير وقال: وكيف قال: لأني أملح شعرك، وأندفع يغنيه قوله:
يا أم ناجية السلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل لوم العذل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل قال: فأدناه جرير حتى ألصق ركبته بركبته وجعله أقربنا منه ثم قال: أجل والله إنك أنفعهم لي وأحسنهم ترتيباً لشعري، فأعاده عليه، وجرير يبكي حتى أخضلت لحيته بالدموع، ثم وهب لأشعب دراهم كانت معه، وكساه حلة من حلل الملوك، وكان يرسل إليه طول مقامه بالمدينة فيغنيه أشعب، ويعطيه جرير شعره فيغني فيه.
وحكى (١) الهيثم بن عدي عن عوانة بن الحكم قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وفد الشعراء إليه وأقاموا ببابه أياماً لا يؤذن لهم، فبينا هم كذلك وقد أزمعوا على الرحيل إذ مر بهم رجاء بن حيوة وكان
(١) ورد هذا الخبر كاملاً في نسخة آيا صوفيا ٨١ ب - ٨٢ ب أيضاً مع بعض الاختلاف في النص عن نسختي د وف.