للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بني أقبل وصيتي واحفظ مقالتي، فإنك إن حفظتها تعش سعيداً وتمت حميداً؛ يا بني إنه من [قنع بما قسم له استغنى، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيراً، ومن لم يرض] (١) بما قسم الله له اتهم الله في قضائه، ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه؛ يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن احتفر لأخيه بئراً سقط فيها، ومن داخل السفهاء حقر، ومن خالط العلماء وقر، ومن دخل مداخل التهم أتهم؛ يا بني قل الحق لك وعليك، وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال؛ يا بني إن طلبت الجود فعليك بمعادنه.

قال أبو الحسن المدائني: بعث أبو جعفر المنصور إلى جعفر بن محمد فأتاه فقال: إني أريد أن أستشيرك في أمر؛ قد رأيت إطباق المدينة على ختري وقد تأنيت بهم مرة بعد أخرى ولا أراهم ينتهون، وقد رأيت أن أبعث إليهم من يجمر نخلها ويغور عيونها فما ترى فسكت جعفر فقال: ما بالك لا تتكلم قال: يا أمير المؤمنين إن سليمان بن داود أعطي فشكر وإن أيوب ابتلي فصبر وإن يوسف قدر فغفر، وقد جعلك الله من نسل الذين يغفرون ويصفحون، قال: فطفئ غيظه.

ويقال إن سليمان بن علي عم المنصور أخذ غلاماً لجعفر فكتب جعفر إليه: أيها الأمير إن الإنسان ينام على الشك ولا ينام على الحرام، فإما أن رددت غلامي وإلا عرضت أمرك على الله خمس مرات في اليوم والليلة؛ فرده عليه.

واشتكى (٢) ابن لجعفر فاشتد جزعه عليه ثم أخبر بموته فسري عنه، فقيل له في ذلك فقال: إنا ندعو الله فيما نحب فإذا وقع ما نكره لم نخالف فيما أحب. وقيل له: ما بلغ من حبك له قال: كان يسرني ألا يكون لي ولد غيره فيشركه في حبي له؛ وفضله اشهر من أن يذكر.


(١) زيادة من نسخة آيا صوفيا.
(٢) ورد هذا الخبر في نسخة آيا صوفيا: ٨٤ أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>