للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكنه نادى يا غلام، مرآة أمير المؤمنين، فجيء بها، فقابل بها وجهه حتى أخذ ذلك الشيء بيده.

ومن عجائب الظفر ما حكاه الصولي أن المتوكل قال: ركبت إلى دار الواثق أزوره في مرضه الذي مات فيه، فدخلت الدار وجلست في الدهليز ليؤذن لي، فسمعت بكاء بنياحة تشعر بموته، فتحسست وإذا ايتاخ ومحمد بن عبد الملك الزيات يأتمران فيّ، فقال محمد: نقتله في التنور، وقال ايتاخ: بل ندعه في الماء البارد حتى يموت ولا يرى عليه أثر القتل. فبينا هم كذلك إذ جاء أحمد بن أبي داود وكان القاضي يومئذ فمنعه الخدام الدخول، فدافعهم حتى دخل، فجعل يحدثهما بما لا أعقله لما داخلني من الخوف واشتغال القلب بإعمال الحيلة في الهرب والخلاص مما ائتمر به فيّ. فبينا أنا كذلك، إذ خرج الغلمان يتعادون إليّ ويقولون: انهض يا مولانا، فما شككت أن أدخل وأبايع ولد الواثق وينفذ فيّ ما قد قرر. فدخلت فلقيني أحمد بن أبي دواد، فقبل يدي وأمسكهما إلى أن أتي السرير وقال لي: اصعد إلى المكان الذي أهلك الله له؛ فلما صعدت وجلست سلم عليّ بالخلافة، وجاء محمد بن عبد الملك الزيات وايتاخ فسلما علي أيضاً، ثم دخل القواد فسلموا، ثم الناس على طبقاتهم. فلما انقضت المبايعة بقيت متعجباً مما اتفق مع ما سمعته من كلام الزيات وايتاخ، فسألت عن الحال كيف جرى، فقيل لي: بينا محمد وايتاخ في تقرير ما سمعته، إذ دخل عليهما ابن أبي دواد فسلم ثم قال: أنا رسول المسلمين إليكما وهم يقرءون السلام عليكما ويقولون لكما: قد بلغنا وفاة إمامنا وعند الله نحتسبه، وأنتما المنظور إليكما في هذا الأمر، فمن اخترتما لإمامتنا فقالا: محمداً ابنه، فقال: بخ بخ، ابن أمير المؤمنين إلا أنه صغير لا يصلح للإمامة؛ فمن غيره قالا: فلان وفلان، وعدّا جماعة، إلى أن قالا: وجعفر بن المعتصم، فقال: رضي المسلمون، اصفقا على يدي، فصفقا، ثم أرسل إليّ، فكان ما أرى، قال المتوكل: فبقي ما قاله ابن الزيات وايتاخ في نفسي فقتلتهما بما اعتزما به على قتلي، فقتلت ابن الزيات في التنور وإيتاخ بالماء البارد.

ولما قتل الأتراك المتوكل بمواطأة ابنه المنتصر وأفضى الأمر بعده وبعد

<<  <  ج: ص:  >  >>