ذهب ما هنالك، ثم أمر بهم فجلدوا بالسياط وطوفهم في العسكر وأمر بفساطيط روح فأحرقت بالنار، فدخل روح على عبد الملك باكياً، وقال: يا أمير المؤمنين، إن الحجاج الذي كان في شرطتي ضرب غلماني وأحرق فساطيطي، قال: علي به، فلما دخل عليه قال له: ما حملك على ما فعلت قال: أنا ما فعلت، قال: ومن فعل قال: أنت فعلت، إنما يدي يدك، وسوطي سوطك، وما على أمير المؤمنين أن يخلف لروح عوض الفسطاط فسطاطين، وعوض الغلام غلامين ولا يكسرني فيما قدمني له، فأخلف لروح ما ذهب له، وتقدم الحجاج في منزلته، وكان ذلك أول ما عرف من كفايته.
وكان للحجاج في القتل وسفك الدماء والعقوبات غرائب لم يسمع بمثلها، ويقال: إن زياد ابن أبيه أراد أن يتشبه بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ضبط الأمور والحزم والصرامة وإقامة السياسات إلا أنه أسرف وتجاوز الحد، وأراد الحجاج أن يتشبه بزياد فأهلك ودمر (١) .
وخطب يوماً فقال في أثناء كلامه: أيها الناس، إن الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله، فقام إليه رجل فقال: ريحك يا حجاج، ما أصفق وجهك وأقل حياءك! فأمر به فحبس، فلما نزل عن المنبر دعا به فقال له: لقد اجترأت علي، فقال له: أتجترئ على الله فلا ننكره، ونجترئ عليك فتنكره فخلى سبيله.
وذكر أبو الفرح ابن الجوزي في كتابه تلقيح فهوم أهل الأثر أن الفارعة أم الحجاج هي المتمنية، ولما تمنت كانت تحت المغيرة بن شعبة، وقص قصتها، ونذكرها مختصرة، وهي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه طاف ليلة في المدينة فسمع امرأة تنشه في خدرها:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم من سبيل إلى نصر بن حجاج فقال عمر رضي الله عنه: لا أرى معي في المدينة رجلاً تهتف به العوائق في خدورهن؛ علي بنصر بن حجاج، فأتي به، فإذا هو أحسن الناس وجهاً