[وكان في سنة ٢٩٩ ادعى للناس أنه إله وأنه يقول بحلول اللاهوت في الأشراف من الناس، وانتشر له في الحاشية ذكر عظيم، ووقع بينه وبين الشبلي وغيره من مشايخ الصوفية، فبعث به المقتدر إلى عيسى ليناظره، فأحضر مجلسه وخاطبه خطاباً فيه غلظة، فحكي انه تقدم إليه وقال له فيما بينه وبينه: قف من حيث انتهيت ولا تزد علي شيئاً وإلا خسفت الأرض من تحتك، وكلاماً في هذا المعنى، فتهيب عيسى مناظرته واستعفى منها فنقل في سنة ٣٠٩ إلى حامد بن العباس الوزير، فحدث غلام لحامد كان موكلاً بالحلاج قال: دخلت عليه يوماً ومعي الطبق الذي عادتي أن أقدمه إليه كل يوم، فوجدته قد ملأ البيت بنفسه وهو من سقفه إلى أرضه وجوانبه ليس فيه موضع، فهالني ما رأيت منه ورميت الطبق من يدي وهربت؛ وحم هذا الغلام من هول ما رأى وبقي مدة محموماً، فكذبه حامد وشتمه وقال: ابعد عني؛ وكان دخوله إلى بغداد مشهراً على جمل وحبس في دار المقتدر، وأفتى العلماء بإباحة دمه.
وكان الحلاج قد أنفذ أحد أصحابه إلى بلد من بلدان الجبل ووافقه على حيلة يعملها، فخرج الرجل فأقام عندهم سنتين يظهر النسك والعبادة وقراءة القرآن والصوم، فغلب على البلد حتى إذا تمكن أظهر أنه عمي فكان يقاد إلى مسجده ويتعامى في كل أحد شهوراً، ثم أظهر أنه زمن فكان يحبو ويحمل إلى المسجد النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقول أنه يطرق هذا البلد عبد صالح مجاب الدعوة تكون عافيتك على يديه ودعائه، فاطلبوا لي كل من يجتاز من الفقراء أو من الصوفية لعل الله تعالى أن يفرج عني، فتعلقت النفوس لورود العبد الصالح، ومضى الجل الذي بينه وبين الحلاج فقدم البلد ولبس الثياب الصوف الرقاق وتفرد في الجامع فقال الأعمى: احملوني إليه، فلما حصل عنده وعلم أنه الحلاج قال له: يا عبد الله رأيت في النوم كذا وكذا فادع الله تعالى لي، فقال: ومن أنا وما تحكي ثم دعا له ومسح يده عليه فقام مبصراً صحيحاً، فانقلب البلد وكثر الناس على الحلاج، فتركهم وخرج من البلد وأقام المتعافي المبرأ مما فيه