وقال: قومت ثياب عمر بن عبد العزيز وهو يخطب باثني عشر درهماً، وكانت قباء وعمامة وقميصاً وسراويل ورداء وخفين وقلنسوة؛ وله معه أخبار وحكايات.
وكان يوماً عند عبد الملك بن مروان، وقد ذكر عنده شخص بسوء، فقال عبد الملك: والله لئن أمكنني الله منه لأفعلن به ولأصنعن، فلما أمكنه الله منه هم بإيقاع الفعل به، فقام إليه رجاء بن حيوة المذكور فقال: يا أميرالمؤمنين قد صنع الله لك ما أحببت فاصنع ما يحب الله من العفو، فعفا عنه وأحسن إليه.
[ولما حضر أيوب بن سليمان بن عبد الملك الوفاة - وكان ولي عهد أبيه - دخل عليه أبوه وهو يجود بنفسه، ومعه عمر بن عبد العزيز وسعيد بن عقبة ورجاء بن حيوة، فجعل سليمان ينظر في وجه أيوب، فخنقته العبرة، ثم قال: إنه ما يملك العبد نفسه أن يسبق إلى قلبه الوجد عند المصيبة، والناس في ذلك أصناف: فمنهم المحتسب، ومنهم من يغلب صبره جزعه فذلك الجلد الحازم، ومنهم من يغلب جزعه صبره فذلك المغلوب الضعيف، وإني أجد في قلبي لوعة إن أنا لم أبردها خفت أن تنصدع كبدي كمداً، فقال له عمر: يا أمير المؤمنين، الصبر أولى بك فلا يحبطن أجرك. وقال سعيد بن عقبة: فنظر إلي وإلى رجاء بن حيوة نظر مستغيث يرجو أن نساعده على ما أدركه من البكاء، فأما أنا فكرهت أن آمره أو أنهاه، وأما رجاء فقال: يا أمير المؤمنين، إني لا أرى بذلك بأساً ما لم يأت الأمر المفرط، وإني قد بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه، فقال:" تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون "، فبكى سليمان حتى اشتد بكاؤه، فظننا أن نياط قلبه قد انقطع، فقال عمر بن عبد العزيز لرجاء بن حيوة: بئس ما صنعت بأمير المؤمنين، فقال: دعه يا أبا حفص يقضي من بكائه وطراً، فإنه لو لم يخرج من صدره ما ترى خفت أن يأتي عليه، ثم أمسك عن البكاء، ودعا بماء فغسل وجهه، وقضى الفتى، فأمر بجهازه، وخرج يمشي أمام جنازته، فلما دفن وقف ينظر