بإلزامه القصر، وألزمه بالصلاة في مسجده، ووكل به من يلاحظه في ذلك، فمر به أبو أيوب المورياني وهو إذ ذاك وزير أبي جعفر، فقام إليه أبو دلامة ودفع رقعة مختومة، وقال: هذه ظلامة لأمير المؤمنين، فأوصلها أعزك الله إليه بخاتمها، فأخذها أبو أيوب، فلما دخل على أبي جعفر أوصلها إليه فقرأها فإذا فيها:
ألم تعلموا أن الخليفة لزني ... بمسجده والقصر، ما لي وللقصر
أصلي به الأولى مع العصر دائماً ... فويلي من الأولى وويلي من العصر
ووالله ما لي نية في صلاتهم ... ولا البر والإحسان والخير من أمري
وما ضره والله يصلح أمره ... لو أن ذنوب العالمين على ظهري فضحك المنصور وأمر بإحضاره، فلما حضر قال: هذه قصتك قال: دفعت إلى أبي أيوب رقعة مختومة أسأل فيها إعفائي من لزوم الذي أمرني بلزومه، فقال له أبو جعفر: اقرأها، قال: ما أحسن أن أقرأ، وعلم أنه إن أقر بكتابته لها يحده بذكره الصلاة وتعريضه بها، فلما رآه يحيد من ذلك، قال له: يا خبيث أما لو أقررت لضربتك الحد، ثم قال: لقد أعفيتك من لزوم المسجد، فقال أبو دلامة: أو كنت ضاربي يا أمير المؤمنين لو أقررت قال: نعم، قال: مع قول الله عز وجل " يقولون ما لا يفعلون ". الشعراء. فضحك منه وأعجب من انتزاعه، ووصله.
وذكر ابن شبة في كتاب " أخبار البصرة " أن أبا دلامة كتب إلى سعيد بن دعلج - وكان يومئذ يتولى الأحداث بالبصرة - وأرسلها إليه من بغداد مع ابن عم له:
إذا جئت الأمير فقل سلام ... عليك ورحمة الله الرحيم
وأما بعد ذاك فلي غريم ... من الأعراب قبح من غريم
له ألف علي ونصف أخرى ... ونصف النصف في صك قديم
دراهم ما انتفعت بها ولكن ... وصلت بها شيوخ بني تميم فسير له [ابن] دعلج ما طلب.