وكانت بنت سعيد المذكورة خطبها عبد الملك بن مروان لابنه الوليد حين ولاه العهد، فأبى سعيد أن يزوجه، فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه في يوم بارد وصب عليه الماء؛ قال يحيى بن سعيد: كتب هشام بن إسماعيل والي المدينة إلى عبد الملك بن مروان: إن أهل المدينة قد أطبقوا على البيعة للوليد وسليمان إلا سعيد بن المسيب، فكتب أن أعرضه على السيف، فإن مضى فاجلده خمسين جلدة وطف به أسواق المدينة، فلما قدم الكتاب على الوالي دخل سليمان بن يسار وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله على سعيد بن المسيب، وقالوا: جئناك في أمر، قد قدم كتاب عبد الملك إن لم تبايع ضربت عنقك، ونحن نعرض عليك خصالاً ثلاثاً، فأعطنا إحداهن، فإن الوالي قد قبل منك أن يقرأ عليك الكتاب، فلا تقل لا ولا نعم، قال: يقول الناس، بايع سعيد بن المسيب، ما أنا بفاعل، وكان إذا قال لا لم يستطيعوا أن يقولوا نعم، قالوا: فتجلس في بيتك ولا تخرج إلى الصلاة أياماً، فإنه يقبل منك إذا طلبك من مجلسك فلم يجدك، قال: فأنا أسمع الأذان فوق أذني حي على الصلاة حي على الصلاة، ما أنا بفاعل، قالوا: فانتقل من مجلسك إلى غيره فإنه يرسل إلى مجلسك، فإن لم يجدك أمسك عنك، قال: أفرقاً من مخلوق ما أنا بمتقدم شبراً ولا متأخر، فخرجوا وخرج إلى صلاة الظهر، فجلس في مجلسه الذي كان يجلس فيه، فما صلى الوالي بعث إليه، فأتي به، فقال: إن أمير المؤمنين كتب يأمرنا إن لم تبايع ضربنا عنقك، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين، فلما رآه لم يجب أخرج إلى السدة، فمدت عنقه وسلت السيوف، فلما رآه قد مضى أمر به فجرد، فإذا عليه ثياب شعر، فقال: لو علمت ذلك ما اشتهرت بهذا الشأن، فضربه خمسين سوطاً، ثم طاف به أسواق المدينة، فلما ردوه والناس منصرفون من صلاة العصر قال: إن هذه لوجوه ما نظرت إليها منذ أربعين سنة، ومنعوا الناس أن يجالسوه، فكان من ورعه إذا جاء إليه أحد يقول له: قم من عندي، كراهية أن يضرب بسببه.
قال مالك رضي الله عنه: بلغني أن سعيد بن المسيب كان يلزم مكاناً من المسجد لا يصلي من المسجد في غيره، وأنه ليالي صنع به عبد الملك ما صنع