ففعلوا ذلك، وألقى ذلك الطعام مثل الجبال، ثم قال للمسلمين: لا تأكلوا منه شيئاً، وأقام بأرضهم وشتا وصيف وزرع، والناس يأكلون ما أصابوا من الغارات، ثم أكلوا من الزرع؛ فأقام مسلمة على قسطنطينية قاهراً لأهلها ومعه وجوه أهل الشام، ومات ملك الروم ومسلمة نازل عليها، فكتب الروم إلى اليون صاحب أرمينية، فسار اليون من أرمينية ومكر في طريقه بمسلمة ووعده أن يسلم إليه قسطنطينية. وكانت الروم قد أرسلوا إلى اليون: إن صرفت عنا مسلمة ملكناك، فلما أتى اليون مسلمة قال له: إنك لا تصدقهم القتال ولا تزال تطاولهم مادام هذا الطعام عندك وقد أحسوا بذلك منك، فلو أحرقت الطعام أعطوا ما بأيديهم، فأحرقه مسلمة، ووجه مع اليون من شيعه حتى دخل القسطنطينية، فلما دخلها ملكه الروم عليهم، فأرسل إلى مسلمة يخبره بما جرى من أمره ويسأله أن يأذن له أن يدخل من الطعام، من النواحي، ما يعيش به القوم حتى يصدقوه بأن أمره وأمر مسلمة واحد، وأنهم في أمان من الشتات والخروج من بلادهم، وأن يأذن لهم ليلة واحدة في حمل الطعام. وهيأ اليون السفن والرجال، فأذن له مسلمة، فحمل جميع ما في تلك النواحي من الغلة في ليلة واحدة، وأفرج اليون وأصبح محارباً لمسلمة، وظهرت هذه الخديعة التي لا تتم على النساء، وأقام المسلمون في قلة الميرة، وحصلت الميرة جميعها عند الروم، ولقي المسلمون من الشدة ما لم يلق أحد قط حتى إن الرجل كان يخاف أن يخرج من العسكر وحده، وأكلوا الدواب والجلود وأصول الشجر والعروق والورق وكل شيء حتى الروث، هذا وسليمان مقيم بدابق، فدهمهم الشتاء ولم يقدر أن يمدهم، حتى هلك سليمان.
قيل غنه خرج من الحمام يريد الصلاة ونظر في المرآة فأعجبه جماله، وكان حسن الوجه فقال: أنا الخليفة الشاب، فلقيته إحدى حظاياه، فقال: كيف ترينني فتمثلت:
ليس فيما بدا لنا فيك عيب ... عابه الناس غير أنك فان
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان ورجع فحم، فما بات تلك الليلة إلا ميتاً.