للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُرْسِلِينَ} [الدخان الآيات: ١ - ٥].

قال أبو عبد الرَّحمن السُّلَمِيُّ: «يُقَدِّر أمرَ السَّنَة كلها في ليلة القَدْر»، وهذا هو الصَّحيح: أنَّ القَدْر مَصدر قَدَرَ الشيء يَقْدُرُهُ قَدْرًا، فهي ليلة الحُكم والتقدير.

التقدير الخامس: التقدير اليَومي؛ قال تَعَالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن الآية: ٢٩].

قال مجاهدٌ والكلبيُّ وعُبيد بن عمير وأبو ميسرة وعطاء ومقاتل: «مِنْ شأنِه: أن يُحيي ويُميت، ويَرزق ويَمنع، ويَنصر، ويُعزُّ ويُذلُّ، ويَفك عانيًا، ويَشفي مريضًا، ويجيب داعيًا، ويُعطي سائلًا، ويَتوب على قومٍ، ويكشف كربًا، ويَغفر ذنبًا، ويضع أقوامًا، ويَرفع آخرين. دخل كلامُ بعضهم في بعض … ».

إلى أن قال ابن القَيِّم رحمه الله: «فهذا تقديرٌ يوميٌّ، والذي قبله تقديرٌ حَوْلِيٌّ، والذي قبلَه تقديرٌ عُمري عند تَعَلُّق النَّفس به، والذي قبله كذلك عند أَوَّل تخليقه، وكونه مضغة، والذي قبله تقديرٌ سَابق على وجوده، لكن بعد خلق السماوات والأرض، والذي قبله تقديرٌ سابقٌ على خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكل واحد من هذه التقادير كالتفصيل من التقدير السابق، وفي ذلك الدليل على عِلم الرَّبِّ وقُدرته وحكمته، وزيادة التعريف لملائكته وعباده المؤمنين بنفسِه وأسمائه» (١).

قال الإمامُ النَّوويُّ رحمه الله: "واعلم أنَّ مَذهبَ أهلِ الحَقِّ إثباتُ القَدَر، ومعناه: أنَّ الله-تبارك وتعالى-قَدَّر الأشياء في القِدَم، وعَلِمَ-سبحانه-أنَّها ستقع في أوقاتٍ معلومة عنده عز وجل، وعلى صفاتٍ مخصوصة؛ فهي تقع على حسب ما قَدَّرها عز وجل، وأنكرت القدرية هذا، وزعمت أنه عز وجل لم يُقَدِّرها، ولم يتقدم علمُه عز وجل بها، وأنَّها مُستأنفة العلم، أي: إنَّما يَعلمها-سبحانه-بعد وقوعِها، وكذبوا على الله سُبحانه وتَعالى وجَلَّ


(١) «شفاء العليل» (ص ٣١ - ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>