قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذا الحديث في الصحيح والكلام عليه من وجوه:
أحدها: أنه ليس ظاهر هذا الحديث أن أصابع الرب في صدور العباد إنما أخبر أن قلوبهم بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، لم يقل إن الأصابع في صدورهم ولا قال إن قلوبهم معلقة بالأصبع أو متصلة بها بل قال:((إنها بين أصبعين)) وكون أن الشيء بين شيئين ليس ظاهره أنه مماس لهما كما في قوله عن الجنة والنار (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ)[الأعراف الآية: ٤٦]، وكما في قوله تعالى (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ)[الزخرف الآية: ٣٨].
الوجه الثاني: أنه لو فرض أنه أخبر عن شيء من الغيب بأنه في قلوب العباد لم يكن ما ذكر من الضرورة مانعة من ذلك، لأن الضرورة تمنع أن تكون الأشياء التي نشاهدها في قلوبنا، ونحن لا نشاهد كذلك، أما إذا أخبرنا بأن الملائكة تنزل على قلوبنا، أو الشياطين تنزل، أو أن على أفواهنا ملائكة تكتب كلامًا، ونحو ذلك من الأمور الغائبة التي ليست من جنس المشاهدات لنا، فإذا أخبرنا بوجودها لم نعلم بالضرورة انتفاء ذلك.
فقول القائل (١): نعلم بالضرورة أنه ليس في صدورنا أصبعان بينهما قلوبنا يقال له المعلوم بالضرورة أن الأصابع التي شهدناها مثل أصابع الآدميين ليست في صدورنا. أما لو أخْبِرنا أن أصابع الملائكة أو الجن في صدورنا لم نعلم انتفاء ذلك
(١) القائل هنا هو الرازي، وقد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه بيان تلبيس الجهمية فقال: "قال الرازي: السابع: قال صلى الله عليه وسلم: قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن وهذا لابد فيه من التأويل لأنَّا نعلم بالضرورة أنه ليس في صدورنا إصبعان بينهما قلوبنا".