للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن ذلك يوهم أن السماء تحيط بالله، وهذا معنى باطل؛ لأن الله أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته" انتهى. (١)

وقوله: "ولما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلي الأعلى، وأنه فوق كل شيء، كان المفهوم من قوله: {مَنْ فِي السَّمَاءِ}: أنه في السماء، أنه في العلو وأنه فوق كل شيء.

وكذلك الجارية لما قال لها: (أين الله؟). قالت: في السماء، إنما أرادت العلو مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة وحلوله فيها".

أشار المصنف هنا إلى دليل الفطرة على إثبات صفة العلو لله عز وجل، فدليل الفطرة أمرٌ الله -سبحانه وتعالى-جَبَلَ النفوس عليه، فما من قائلٍ يقول: يا الله، إلا ويجد في نفسه ضرورة تطلب جهة العلو، لا يلتفت يمنةً ولا يسرة، فأنت إن شئت انظر بعد أن تصلي في مساجد المسلمين كيف يرفع الناس أيديهم في الدعاء، ويتجهون إلى جهة العلو، ولا يلتفتون يمنةً ولا يسرة.

فقد قال إمام الأئمة محمد بن خزيمة رحمه الله: «باب ذكر البيان أن الله عز وجل في السماء، كما أخبرنا في مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ وعلى لسان نبيه عليه السلام، وكما هو مفهوم في فطرة المسلمين علمائهم وجُهَّالِهِمْ وأَحْرَارِهِمْ وَمَمَالِيكِهِمْ ذُكْرَانِهِمْ وَإِنَاثِهِم بَالِغِيهِم وأَطْفَالِهِم، كل مَنْ دعا الله جل وعلا فإنه يرفع رأسَه إلى السماء ويمد يدَيْه إلى الله إلى أعلاهُ، لا إلى أسفل» (٢).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأمَّا كونه عاليًا على مخلوقاته بائنًا منهم، فهذا أمرٌ معلومٌ بالفطرةِ الضروريةِ التي يشترك فيها جميع بني آدم.


(١) "مجموع فتاوى الشيخ العثيمين" (٤/ ٢٨٣).
(٢) «التوحيد» (١/ ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>