للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف.

وأيضًا: فقولهم: أمِرُّوها كما جاءت. يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظًا دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمِرُّوا ألفاظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو أمِرُّوا ألفاظها مع اعتقاد أن الله لا يُوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أُمِرّت كما جاءت، ولا يقال حينئذ: بلا كيف، إذ نفي الكيفية عما ليس بثابت لغوٌ من القول" (١).

وقول المصنف: "ومثل هذا يوجد كثيرا في كلام السلف والأئمة، ينفون علم العباد بكيفية صفات الله، وأنه لا يعلم كيف الله إلا الله، فلا يعلم ما هو إلا هو".

طلب معرفة كيفية صفات الله -عز وجل- بدعة، فالله تعالى ما أطلعنا ولا أخبرنا ولا تعبدنا بمعرفة كيفية استوائه. فمعرفة كيفية الصفات غير حاصل للعباد؛ لأن العلم بكيفية الصفات فرع العلم بكيفية الموصوف، فإذا كان الموصوف لا تُعلم كيفيته، امتنع أن تُعلم كيفية صفاته (٢)،

وأكدَّ المصنف على اتفاق أهل السنة والجماعة على نفي معرفة حقيقة الله وكيفية صفاته، وقالوا: لا تجري ماهيته في مقال، ولا تخطر كيفيته ببال، ولا يحيط أحد من المخلوقين على حقيقة ذاته (٣).

أما أقوال السلف-رحمهم الله تعالى-في تقرير هذه القاعدة، فكثيرة جداً، ويصعب استقصاؤها، لكن أكتفي بإيراد نماذج منها من مختلف العصور، حتى


(١) الفتوى الحموية: ص ٨٠.
(٢) انظر: نقض المنطق، ضمن مجموع الفتاوى (٤/ ٦ - ٧)، مجموع الفتاوى (٦/ ٣٩٩).
(٣) انظر: درء التعارض (١٠/ ٢٧٧)، التدمرية ص (١٦ - ١٨)، الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز، ضمن مجموع الفتاوى (٦/ ٣٥٥)، الإكليل في المتشابه والتأويل، ضمن مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٠٨ - ٣٠٩)، بيان تلبيس الجهمية (١/ ٦٤، ١٩٧ - ١٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>