للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أجاب المفسرون الذين يرون جواز إهداء القرب إلى الغير عن هذا الاستنباط، وقالوا لا دلالة في الآية على عدم جواز إهداء القرب إلى الغير، وقد تنوعت إجاباتهم عن هذا الاستنباط (١)، وأحسن ما قيل فيها ما قاله السعدي هنا، من أن الآية لا دلالة فيها على نفي انتفاعه بسعي الغير، مما يجعل استنباط عدم جواز إهداء القرب من الآية غير وجيه، وقد وافق بعض المفسرين السعدي على هذا الرد، قال الشنقيطي: (قوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} قد دلت اللام فيه على أنه لا يستحق ولا يملك شيئاً إلا بسعيه، ولم تتعرض لنفي الانتفاع بما ليس ملكاً له ولا مستحقاً له) (٢)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ما يعمل للميت من أعمال البر كالصدقة ونحوها فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة واتفاق الأئمة وكذلك العتق والحج ولا يجوز أن يعارض هذا بقوله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} لوجهين:

أحدهما: أنه قد ثبت بالنصوص المتواترة وإجماع سلف الأمة أن المؤمن ينتفع بما ليس من سعيه كدعاء الملائكة واستغفارهم له، ودعاء النبيين والمؤمنين واستغفارهم له، وكدعاء المصلين للميت ولمن زاروا قبره من المؤمنين.

الثاني: أن الآية ليست في ظاهرها إلا أنه ليس له إلا سعيه وهذا حق فإنه لا يملك ولا يستحق إلا سعي نفسه وأما سعي غيره فلا يملكه ولا يستحقه لكن هذا لا يمنع أن ينفعه الله ويرحمه به كما أنه دائماً يرحم عباده بأسباب خارجة عن مقدورهم) (٣)، وممن أشار إلى ذلك

من المفسرين أيضاً: القرطبي، والطوفي، ومحيي الدين شيخ زاده، والجمل،


(١) قيل إنها تختص بشرع من قبلنا، وقيل إنها مخصوصة، وقيل إنها منسوخة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد إيراده هذه الأجوبة: (ولا يحتاج إلى شيء من ذلك، بل ظاهر الآية حق لا يخالف بقية النصوص،. . . لكن هذا لا يمنع أن ينتفع بسعي غيره، كما ينتفع الرجل بكسب غيره). انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (٢٤/ ٣١٢).
(٢) انظر: أضواء البيان (٧/ ٧٠٩).
(٣) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية (٧/ ٤٩٨).

<<  <   >  >>