فالمحفوظ عن قتادة: هو ما رواه سليمان التيمى وأصحابه على الوجه الأول، وقد تابعهم عليه أيضًا: شيبة بن يحيى عند أحمد [٢/ ٥١١]، قال: ثنا شيبان عن قتادة عن أبى رافع عن أبى هريرة به نحوه. قلتُ: وهذا إسناد ظاهره الصحة كما تقدم؛ بل قواه ابن كثير في "تفسيره" [٥/ ١٩٨/ طبعة دار طيبة]، لكنه قال: "في رَفْعه نكارة" ثم شرع في بيان ذلك حتى قال: (ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب - يعنى الأحبار - فإنه كثيرًا ما كان يجالسه ويحدثه، فحدث به أبو هريرة، فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع" كذا قال، ثم رأيته في "البداية" [٢/ ١١٢]، حاول صَرْفَ تلك النكارة التى نظرها في رفع الحديث، وجاء بكلام متكلف، حمله عليه ظاهر جودة إسناده، إلا أنه قال: "فإن لم يكن رفع هذا الحديث محفوظًا؛ وإنما هو مأخوذ عن كعب الأحبار كما قاله بعضهم [قلتُ: ليته سمى لنا هذا البعض!]، فقد استرحنا من المؤنة. . .". قلتُ: ونحن نريحه من تلك المؤنة، وذلك بإبداء علة أخرى - غير ما ذكر - في سند الحديث قاصمة، وهى أن قتادة لم يصح له سماع من أبى رافع الصائغ البتة، وهاك نصوص النقاد في هذا: ١ - ففى "علل الإمام أحمد" [١/ ٥٢٨/ رواية عبد الله]، قال: "قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبى رافع شيئًا". قلتُ: وشعبة كما كان من أثبت الناس في قتادة إن لم يكن أثبتهم مطلقًا؛ فقد كان أيضًا: أعلمهم بما سمع وما لم يسمع، وكان كثيرًا ما يوقفه في الأسانيد، ويتعنته في تفقد سماعه من شيوخه، وله في ذلك أخبار وحكايات معروفة. . فلو لم يكن في نَفْى سماع قتادة من أبى رافع إلا قول شعبة هنا - مع عدم ظهور برهان المخالف - لكفى في الجزم بذلك، فكيف وقد تابعه غير واحد على ذلك النفى؟!. ٢ - فقال الإمام أحمد في رواية أبى طالب عنه: "لم يسمع قتادة من أبى رافع" كما نقله عنه ابن أبى حاتم في "المراسيل" [ص ١٧١]، ومثله قال في رواية الأثرم عنه، كما نقله ابن رجب=