للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلموا ما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاماً وخاصاً وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سننه ما عرفناه وجهلناه، وهم فوقنا في كل علمٍ واجتهاد وورعٍ وتقوى وعقل، وآراؤهم لنا أحْمدُ وأولى بنا من آرائنا عند أنفسنا) (١).

وعن الحسن بن عبد الله قال: قلت لِإبراهيم النخعي أكلَّ ما أسمعك تفتي به سمعته فقال: لا. فقلت: تفتي بما لم تسمع. فقال: (سمعت الذي سمعت وجاءني ما لم أسمع فقسته بالذي سمعت) (٢). وفي هذه الفترة أيضاً لم تظهر قواعد مدونة للاستنباط يرجع إليها، ومع هذا فالناظر في فقههم يقطع ويجزم أنهم كانوا يُصدرون أحكامَهم عن ضوابط وقواعد تكاد تكون فردية فمثلاً الإمام مالك رضي الله عنه أدخل مصدراً جديداً في التشريع، وهو عمل أهل المدينة وإجماعهم. وكذلك قال بالمصالح المرسلة وكذلك وضع ضوابط لرواية الحديث، وكان أيضًا للإِمام أبي حنيفة رضي الله عنه أصول يستنبط الأحكام بموجبها ولكن لم تجمع وتدون في فصول وأبواب. وخلال هذه الفترة بدأت تلوح في الأفق طريقتان (٣) متمايزتان لاستنباط الأحكام، فالأولى تنحو نحو التمسك بظواهر الألفاظ، والوقوف عند ظواهر النصوص وهؤلاء لهم سلف من الصحابة رضوان الله عليهم، وقصة قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - للصحابة رضوان الله عليهم بعد الرجوع للمدينة من غزوة الخندق: "لا يصلين أحد العصر إلَّا في بني قريظة". مشهورة مسطورة في كتب المغازي والسير وكتب الفقه والسنّة. فبعضهم لم يصل العصر إلَّا في بني قريظة عملاً بظاهر النص مع أن الصلاة أدركته في الطرَيق، والبعض الآخر صلى في الطريق لأنه فهم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حثهم على الإِسراع في السير، ولما

عرضوا الأمر على الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقر كلا الفريقين فيما فهم وفيما عمل، ولكن


(١) إعلام الموقعين ١/ ٩٢.
(٢) الفقيه والمتفقه ١/ ٢٠٣.
(٣) انظر: تاريخ التشريع الإِسلامي للخضري ص ١٣٣، وما بعدها وانظر تاريخ التشريع الإسلامي للشيخ عبد اللطيف السبكي وآخرين ص ٢١٧، وما بعدها طبع الاستقامة سنة ١٩٤٦.
وانظر المذاهب الإسلامية لأبي زهرة ٢/ ١٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>