للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في رسالته لأبي موسى الأَشْعريّ رضي الله عنه: (لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل) (١). وكانوا يرجعون للحق لا تأخذهم في ذلك لومة لائم، ويتنازلون عن آرائهم لآراء غيرهم، وقد

صرحوا بذلك كثيرًا في موسوعات الفقه الإِسلامي، فاجتهادهم يختلف عن كثير ممن جاء بعدهم بعصور حيث كانوا يدورون في فلك غيرهم، أو يجهدون أنفسهم في الحصول على الأدلة المؤيدة لمذهبهم ويسوؤهم الإقلاع عن مذهب إمامهم مع وضوح الحق مع غيره وضوح الشمس في رابعة النهار، مع أن الله رزقهم من العلم ما أوصلهم إلى رتبة الاجتهاد فكفروا بالنعمة وأساؤوا استعمالها ولم ينطلقوا من قيودٍ ما أنزل الله بها من سلطان، فالعصمة لله وحده جل شأنه، ثم لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في ما أمره بتبليغه اتفاقًا، ولم تثبت العصمة لبشرٍ بعده ولم يدع من أنزلوهم منزلة المعصومين العصمة لأنفسهم، بل ثبت عنهم رضوان اللهَ عليهم نفي العصمة عن أنفسهم وأجازوا على

أنفسهم الخطأ.

ثم انقرض عهد الصَّحَابَة رضوان الله عليهم وظهر عصر التابعين، وكان من أعظم فقهاء التابعين الحسن البَصْرِيّ وإبراهيم بن يزيد النَّخَعيّ وسعيد بن المسيّب وعروة بن الزُّبير ومحمَّد بن سيرين وعطاء بن أبي رباح وغيرهم، وكبار التابعين سلكوا مسلك الصَّحَابَة رضوان الله عليهم في استنباط الأحكام

من الكتاب والسنة، والأخذ بما أجمع عليه الصحابة، ثم الاستئناس بأقوالهم وما صدر عنهم من أحكام وكانوا يجلون آراء الصَّحَابَة ويلتزمون بها إذا عرفوها.

فروي عن أبي حنيفة النُّعمان رضي الله عنه أنَّه قال: (وما جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعين وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال).

ونقل صاحب إعلام الموقعين عن الإِمام الشَّافعيّ رضي الله عنه أنَّه قال عن الصَّحَابَة: (أدوا إلينا سنن رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وشاهدوه والوحي ينزل عليه


(١) انظر القسم التحقيقي أول كتاب اّلقياس.

<<  <  ج: ص:  >  >>