للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم نتعرض في الكلام على أُصول الفقه في هذين العصرين للكلام عن قواعد هذا الفن الأربع، التي حوت كل ما تقدمها، وكل ما جاء بعدها عالةٌ عليها، وذلك لأننا نريد أن نفردها ببحث خاص لأهميتها، ولأن اعتماد الإِمام في المحصول كان عليها مباشراً.

قال ابن خلدون في تاريخه (١): (وعنى الناس بطريقة المتكلمين فيه، فكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون كتاب البرهان لإِمام الحرمين والمستصفى للغزالي وهما من الأشعرية، وكتاب العمد لعبد الجبار وشرحه المعتمد لأبي الحسين البصري وهما من المعتزلة، وكان الأربع قواعد هذا الفن وأركانه، ثم لخص هذه الكتب الأربعة فحلّان من المتكلمين المتأخرين، وهما الإِمام فخر الدين بن الخطيب في كتاب المحصول، وسيف الدين الآمدي في كتاب الأحكام. واختلفت طرائقهما في الفن بين التحقيق

والحجاج. فابن الخطيب أميل إلى الاستكثار من الأدلة والاحتجاج، والآمدي مولع بتحقيق المذاهب وتفريع المسائل، وأما كتاب المحصول فاختصره تلميذه الإِمام سراج الدين الأرموي في كتاب التحصيل ...).

لقد ذكرنا أن علماء الأصول أخذوا يسيرون بهذا الفن نحو الكمال رويداً رويداً، منذ أن وضع الإِمام الشافعي رسالته واتسم القرنان الثالث والرابع الهجريان بتصنيف الكتب ذات الموضوع الواحد على الغالب أو شرح الرسالة، وبمطلع القرن الخامس الهجري ظهرت الكتب التي صنفت وشملت معظم مواضيع علم الأصول، وذلك بوضع محمد بن أبي بكر الباقلاني كتابه التقريب. (وهو مفقود الآن، ولكنه كان موجوداً في عصر ابن السبكي حيث يقول في طبقاته (٢) أنه اطّلع عليه فقال: وكنت أغتبط بكلام رأيته للقاضي أبي بكر في التقريب والإِرشاد). واختصر هذا الكتاب إمام الحرمين (٣) أبو المعالي عبد الملك الجويني المتوفى سنة ٤٧٨ هـ وسمّاه


(١) تاريخ ابن خلدون ١/ ٣٨٠.
(٢) طبقات الشافعية لابن السبكي ٢/ ١٧٧.
(٣) الفتح المبين ١/ ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>