للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعرفة ما أُجيب بها عنه. وفي بعض الأحيان كنت أضع ترقيماً لما أُجيب عنه موافقاً للأجوبة. وهذا يدل على سعة علمه ورجاحة عقله، ولكنه يشوِّش على الناظر فيه، ويؤخر عليه الوصول إلى معرفة المراد، ومن ذلك على سبيل المثال. قوله: احتجوا (القائلون بأن الكفّار غير مخاطبين بفروع الشريعة) بأن الصلاة مثلاً لا تجب عليه بعد الإِسلام وفاقاً ولا قبله لامتناعه، ولأنها لو وجبت لوجب قضاؤها كالمسلم بجامع تدارك المصلحة.

والجواب عن:

أ- أن ما ذكرتم لا ينفي العقاب على تركها.

ب- النقض بالجمع، والفرق (أن وجوب القضاء عليه تنفير له عن الإِسلام) (١). ويقصد بالجواب عن أ- عن دليلهم الأول، وهو بأن الصلاة مثلاً لا تجب عليه بعد الإِسلام وفاقاً ولا قبله لامتناعه. ويقصد بالجواب عن ب- عن دليلهم الثاني وهو: لأنها لو وجبت لوجب قضاؤها كالمسلم بجامع تدارك المصلحة، وكلاهما لم يرد مرقماً.

وقد برزت شخصية القاضي سراج الدين الأرموي - رحمه الله - بروزاً واضحاً كمختصر متمكِّن من فنه ولغته، فقد كانت عباراته بقدر المعاني، فلا حشو ولا إلغاز. فلو حذفت كلمة من موضعها لحدث بها خلل كبير في التركيب. وأظهر قدرة فائقةً في إبراز المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة، وهذا من سمات الحكماء المتكلمين الذين كل حرف في كلامهم له وزن ومعنى.

فالأسلوب العلمي الذي يعتني بالحقائق يختلف عن الأسلوب الأدبي الذي يعكس العواطف. واختصاره كتاب المحصول وهو لأعظم الحكماء العلماء المتكلمين في القرن السادس الهجري إلى الثلث مع عدم نقص المادة العلمية لَدليلٌ قاطع على التمكّن من لغته ودقة تعبيره، وكتاب علمي مثل هذا لا يتأتى اختصاره لأقل من ذلك إلَّا إذا كان الاختصار على حساب المعاني، وحينئذٍ تضيع القيمة العلمية للأصل.


(١) الجزء التحقيقي من هذا الكتاب ص ١/ ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>