صفحات الوجيز، فيعانق بذلك حجة الِإسلام، فقد مدَّ يده ليصافح ابن سينا علامة زمانه وفيلسوف عصره، فيضع شرحاً للِإشارات التي تعتبر من عيون كتب المنطق والحكمة، وقد شارك فقهاء الشافعية في اختصار الوجيز، ليقف بذلك في صف حجة الإسلام الغزالي، وهنا كذلك يسيل مداد قلمه ليسطر
لنا مختصراً من أعظم المختصرات لكتاب الأربعين الشهير في أصول الدين، ولم يكتف بذلك فقد وجدت له رسالةً في "الفرق بين موضوع العلم الإلهي والكلامي" في مكتبة الحرم المكي حرسه الله. وقد أجاد في كل ما كتب في هذا الفن لارتباطه بفنه الذي فاق فيه الأقران، وهو علم المنطق والحكمة، فكان بذلك متكلماً مناظراً ومجادلًا، يحسب له الحساب في بلاط بني سلجوق.
هذه هي العلوم التي برع فيها القاضي سراج الدين الأرموي، وتراثه العلمي الضخم يدل بالبرهان ويقيم الحجة على صحة الدعوى، ويشهد له بالفضل وحيازة قصب السبق في كل مضمار. وقد أحسن العلّامة محمود بن محمد الأقسرائي المتوفى سنة ٧٢٣ هـ، والذي عاش في عصره فترة من
الزمن في كتابه "مسامرة الأخبار ومسايرة الأخيار" المطبوع باللغة الفارسية بأنقرة سنة ١٩٤٤ م. حيث يقول عن سراج الدين الأرموي في فصل وفيات الأكابر صفحة ١٢١ ما معناه: (كان سراج الدين الأرموي علماً للعالم وبحر الفضائل وشمس سماء الشريعة ومركز محيط الحقيقة والطريقة. فقد سلب من علماء العالم قصب السبق في المعقول والمنقول، وكان أفاضل الدنيا يأتون من الأطراف والأكناف بقصد الاستفادة من مجلسه. وكانوا يجتمعون جميعاً حول ملك قونية مثل كوكب "بروين"(ويتفرقون مثل بنات نعش).
وقد سارت بذكره الركبان في حياته من مقارنيه فعطروا كتبهم بذكره الجميل، وسطرت أقلامهم له أنصع الصفحات وأحلى الذكريات، وقلما أن يُفعل ذلك لِإنسان في حياته وليس له صولة السلطان ولا جبروت الحاكم فيكون ما كتب عنه رياءً ونفاقاً وخوفاً وتزلفاً، بل الخلق القويم والفضل العميم والعلم الغزير ينطق الأقلام فتتكلم، ويوحي لها فترسم ما تكنه له