للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصالح نجم الدين وهو في عنفوان شبابه، فيمثله في لقاء إمبراطور الروم على ما ذكر صديقه وقرينه جمال الدين محمد بن سالم بن واصل الحموي في كتابه مفرج الكروب.

ثم يجلس في حلقات الملوك والعلماء للمناظرة والنقاش والاستفتاء برفقة سلطان علماء زمانه بل سلطان علماء المسلمين، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، عز الدين بن عبد السلام قدَّس الله روحه وأعلى درجاته في الجنة، وذلك في اليوم الثاني من شهر ذي الحجة سنة ٦٤٧ هـ في ردهات قصر آخر ملوك بني أيوب في القاهرة الملك المعظم السلطان غياث الدين توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل محمد بن العادل، فيدلي برأيه غير خافتٍ ولا متروك، وروى لنا ذلك شاهد عيان حاضر ذلك المجلس فلا ريبة ولا شك في صحة ما نقل.

وأما شأنه في قصور سلاجقة الروم فهو ليس أدنى من ذلك ولا أقل، وقد أوردنا فيما مضى من شأنه في ذلك من المواقف والحوادث، وما يبهر العقل ويثير في النفس العجب. وهناك سؤال يفرض نفسه على كل ناظر في ترجمة القاضي سراج الدين الأرموي هذه، وهو كيف تكون سيرة هذا العالم بهذا الشكل العظيم، ونحن معاشر العلماء لا نكاد نسمع إلَّا باسمه؟ ولا نعرف من شأنه وحاله إلا اختصاره للمحصول؟ والجواب على هذه الصفحات مسطور وخزانات الكتب بآثاره تقول: كم من عالم اليوم مغمور الذكر أصبح نسياً منسياً، وكان قد ارتقى أعلى المنابر، وتصدر أكبر المحافل وجالس أعظم الأماثل، ثم يأتي زمان فترفع الستائر، وتنقشع الحجب عن دُرٍّ مستور، ويتبدد السحاب عن شمس صافية وينفض الغبار المتراكم عن رفوف الكتب، فيظهر الحق ويزهق الباطل، إن الباطلَ كان زهوقاً.

فهذه منزلة القاضي سراج الدين الأرموي- رحمه الله- بين علماء زمانه ومنها تظهر منزلته بين علماء المسلمين جميعاً، قد أقمنا عليها الأدلة وأحضرنا لها الشهادات من بطون الكتب ليس ما دوِّن منها بالعربية فحسب، بل ما دوِّن باللغتين الفارسية والتركية أيضاً، ولعل المستقبل يكشف لنا عن المزيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>