للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدل أبو الحسين على صدقه بأن أهل التواتر لا تكذب مع علمهم بكذبهم لا لغرض إذ الكذب جهة قبح مانعة من الفعل. ويمتنع الفعل مع المانع إلَّا لغرض أقوى، ولأنه يُترجح الممكن لا لمرجح ولا لغرض (١) هو كونه كذباً لأنَّه مانع لا داعي، ولا لغرض (٢) غيره، إذ داعي ذلك إما رغبة وإما رهبة دينية أو دنيوية اتفق غرض الكل أو اختلف. ولا رغبة دينية للكل، لأنَّ قبح الكذب صادف ديني وفاقاً، ولا دنيوية لأنها رجاء لعوض أو إسماع غريب وكثير منهم لا يرضى بالكذب لهما، ولا رهبة دينية لما تقدم، ولا دنيوية فإنَّها تكون من السلطان وهو لعجزه عن جمعهم للكذب، فإنَّه قد يخوفهم عن حديث ثم يشتهر ولم تختلف أغراضهم، لامتناع تساوي أحوال جماعة عظيمة أبعاضها جماعات عظيمة في قوة هذه الدواعي ولا يكذبون لا مع علمهم بكذبهم، لأنَّ ذلك إنَّما يمكن (٣) فيما يشتبه بغيره، والتواتر إخبارٌ عما علم وجوده بالضرورة، إذ شرطه استواء الطرفين والواسطة، ويعلم ذلك بإخبار كل لاحق من أهلية السابق للتواتر، أو بأن كل ما ظهر بعد خفاء أو قوي بعد ضعفٍ يجب اشتهار حدوثه ووقت حدوثه، كمقالات الجهمية (٤) والكرامية (٥)، وهذا ضعيفٌ إذ تقسيماته غير منحصرة. ولا قاطع بنفي كل

قسم.


(١) سقط من (أ، هـ) "هو".
(٢) سقط من (ب) لغرض.
(٣) في "أ" (يكون) بدل (إنَّما يمكن).
(٤) أصحاب جهم بن صفوان تلميذ الجعد بن درهم الذي ضحى به خالد بن عبد الله القسري سنة ١٢٤ هـ لإلحاده وزندقته. والجهم من الجبرية ظهرت بدعته بترمذ وقتله سلم بن أحوز المازني بمرو في آخر ملك بني أميَّة. وافق المعتزلة في نفي الصفات الأولية. ونفى عن الله كل ما يوصف به خلقه كالعلم والحياة ويقول: إن الإنسان لا يقدر على شيء وتنسب له الأفعال مجازاً كما تنسب للجماد ويقول بفناء الجنَّة والنار، ويقول بأن الإيمان: هو المعرفة فقط. ولا فرق عنده بين إيمان الأنبياء والعامة ويقول بنفي الرؤية في الآخرة كالمعتزلة (الملل والنحل للشهرستاني ١/ ٨٧).
(٥) هم فرقة من المرجئة ينتسبون إلى محمد كرام (بكسر الكاف وتخفيف الراء) أبي عبد الله السجستاني، المتوفى سنة ٢٥٦ هـ كان داعياً إلى البدع، يقول بالتجسيم والتشبيه، وهم إثنتا عشرة فرقة انظر الملل والنحل للشهرستاني ١/ ١٠٨، الفرق بين الفرق ١٣٠، مقالات الإسلاميين ١٣٥، المواقف ٦٣٣، النجوم الزاهرة ٦/ ١٩٨، الفرق الإسلامية للبشبيشي ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>