للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: لا نسلم أنه تعالى شرع الأحكام لمصالح العباد. قوله: تخصيص الواقعة بالحكم لمرجحٍ عائدٍ إلى العبد. قلنا: التخصيص إذ لم يتوقف على مرجحٍ بطل الدليل، وإن توقف وكان فعل العبد واقعًا بالله كان الله تعالى فاعلًا للكفر والمعصية فلا يجب أن يفعل ما فيه مصلحة العباد.

وإن كان واقعًا بالعبد ولم يتمكن من الترك، والقدرة والداعية مخلوقتان لله تعالى وهما تستلزمان المعصية، عاد المحذور، وإن تمكن منه توقف ترجيح أحدهما على الآخر على مرجح مخلوق لله تعالى دفعًا للتسلسل، ويكون ذلك مستلزمًا للمعصية، فيعود المحذور، وتمام تقريره في مسألة تكليف ما لا يطاق.

ثم ما ذكرتم معارض بوجوه تكليف ما لا يطاق (١) وغيرها.

أ- أن فعل العبد واقع بالله تعالى، إذ لو وقع (٢) به لعلم تفاصيله فإنَّه واقع على كيفيَّةٍ وكميةٍ مخصوصة مع جواز وقوعه على خلافها، فله مخصص (٣) وإلا استغنى حدوث العالم (٤) في وقتٍ معين عن (٥) مخصص، والتخصيص هو القصد إلى إيقاعه على ذلك الوجه، فهو مشروط بالعلم بذلك الوجه واللازم منتفٍ, لأن النائم بل اليقظان يفعل من غير علم بكيفية فعله، إذ الفاعل للحركة البطيئة فاعل للسكون معها أو لغرض آخر قائم بها. ولم يشعر بشيء منهما (٦) ولأنه مقدورٌ لله تعالى إذ مصحح المقدوريَّة الإمكان. فلو قدر عليه العبد لقدر على كل ممكن. ولكان إذا أراد إيجاده لتوارد عليه مؤثران مستقلان، أو أراد أحدهما تحريك محل والآخر تسكينه لتمانع المؤثران ويجتمع الضدان


(١) ذكر الإِمام الرَّازيّ في المحصول وجوهًا سبعة من التكليف بما لا يطاق، ولم يذكر القاضي الأرموي هنا منها شيئًا. انظر المحصول من لوحة ٣/ ٥٧/ ٥٩، مخطوطة لندن، والنسخة المطبوعة ٢/ ٢/ ٢٥٧.
(٢) أي إذ لو كان مخلوقًا للعبد.
(٣) في "هـ" (تخصيص) بدل (مخصص).
(٤) في "أ" (العلم) بدل (العالم).
(٥) في "أ" (غير) بدل (عن).
(٦) سقط من "ب، جـ، د" ولم يشعر بشيء منهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>