سنة ٥٠٥ هـ، وحيد زمانه وفريد عصره ورعًا وتقوى وعلمًا ومناظرةً وجدلًا، حتى سُمي فيلسوف الإِسلام وقد اعتصره من مصنفين في الأصول تقدما عليه في التأليف، وهما المنخول وتهذيب الأصول وهذا الكتاب المستصفى- صنفه في آخر حياته فظهرت فيه شخصيته واستقلال آرائه، فهجر بعض الآراء التي كان يتابع فيها شيخه إمام الحرمين رحمه الله.
ثم انتهت هذه الكتب الأربعة إلى كتابين عظيمين جامعين لعلوم الأولين في هذا الفن وهما:
١ - الإحكام في أصول الأحكام لسيف الدين الآمدي المتوفى سنة ٦٣١ هـ، وهو موسوعةٌ أصولية زاخرة أكثر فيه من الاستدلال على القواعد بالحجج العقلية والنقلية.
٢ - المحصول في الأصول للِإمام فخر الدين محمَّد بن عمر الرازي المتوفى سنة ٦٠٦ هـ، وهذا الكتاب لا يكاد يخرج عن المستصفى للِإمام الغزالي والمعتمد لأبي الحسين البَصْرِيّ.
وهذا الكتاب هو الذي اختصره القاضي سراج الدين أبو الثناء محمود بن أبي بكر الأرموي وسماه (التحصيل من المحصول) والمحصول من الكتب التي أقبل عليها العلماء إقبالًا منقطع النظير، فاشتغل به جمهرة من العلماء المتكلمين في حياة المؤلف وبعد مماته ممن يتعذر حصرهم، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على مدى تلقي هذا الكتاب بالقبول والرضا، وما ذاك إلَّا لأنه قد فاق كل ما تقدمٍ عليه من المصنفات تنظيمًا وترتيبًا وتنسيقًا وإحاطة بدقائق هذا الفن وتوضيحًا لعويصات مسائله. وإنه ليبهر عقل الناظر هذا العدد الضخم الذي شارك في العمل في هذا الكتاب، ومهما حاولنا التقصي لهؤلاء فإننا بلا شك سوف لا نتمكن من ذلك وخاصة وأن هذا الكتاب قد ألف قبيْل الغزو التتاري الذي لم يبقِ ولم يذر، الذي زحف على بلاد المشرق فسال دجلة شهورًا وفيه زرقة السماء من مداد مصنفات التراث الإِسلامي العريق، وكم من مصنفات ذهبت أدراج الرياح لا نسمع منها إلَّا