للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجلها، ويذكرون مع ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيشعرون بالهيبة، ويدفعهم ذلك لإجلالها واحترامها والمسارعة للعمل بموجبها، وكانت الألسن لم تفسد بعد ولم يستشر داء المعجمة إلى الأفهام والألسنة فكانوا على علم بالمطلق والمقيد والعام والخاص والمجمل والمبين والمنطوق والمفهوم ومدلولات الألفاظ على المعاني، والناسخ والمنسوخ، حتَّى كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

يقول في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أنَّه وضع الحمل، وكان يقول: آية النساء الصغرى نزلت بعد آية عدة الوفاة ومن شاء باهلته (١).

وكان كبار الصَّحَابَة رضوان الله عليهم يرسمون لمن دونهم منهج الاجتهاد، ويحثونهم عليه ويدربونهم عليه بنوعٍ من الحذر, لأن الخطأ في الأحكام أمر خطير وتعتبر رسائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك إلى قضاته أساسًا رصينًا بنى عليه من جاء بعده، ومن أعظم هذه الرسائل رسالته إلى أبي موسى الأَشْعريّ رضي الله عنه والتي جاء فيها: (الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم قس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال). وقد ذكرتها بطولها في أول كتاب القياس من القسم التحقيقي، لما لهذه الرسالة من أهمية عظمى في التشريع الِإسلامي على وجه العموم والقضاء على وجه الخصوص.

وكتبَ عمر رضي الله عنه أَيضًا إلى قاضيه شريح يقول: (إذا حضرك أمر لا بد منه، فانظر ما في كتاب الله فاقض به، فإن لم يكن فَبما قضى به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يكن فَبما قضى به الصالحون وأئمة العدل، فَإِنْ لم يكن فأنت بالخيار، فإن شئتَ أن تجتهد رأيك فاجتهد رأيك، وإن شئت أن تؤامرني فآمرني ولا أرى مؤامرتك إياي إلَّا خيرًا لك والسلام) (٢).

ونقل البغدادي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّه قال: (يَا أيها


(١) يعني بآية النساء الصغرى قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}. وآية عدة الوفاة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤].
(٢) أعلام الموقعين ١/ ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>