التي من ورائها الرواتب والمناصب، إذ أن نفسه الطاهرة لها اتجاه غير هذا. ولكن أحد تلامذته أشار عليه أن يتقدم إلى الامتحان، ونيته تعليم أبناء الأزهر ومن سواهم بعد نيله الشهادة كيما يساير الناس وهم يعتقدون أن العلم لا يؤخذ إلا ممن لديه هذه الشهادة، فأنشرح صدره ووضع الرسالة وقدمها وبعد البحث اتضح أن اسمه غير مدرج في سلك الطلاب، ولم تكن له مدة معلومة فلا يقبل طلبه ولكن الله القدير يسر له الصعاب! ! وفي الأربعاء اليوم التاسع والعشرين من شهر رجب سنه ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف (سنه ١٣١٣ هـ) ١٥ يناير سنه ١٨٩٦ م أدى المؤلف الامتحان أمام اللجنة المكونة من حضرات أصحاب الفضيلة الأساتذة الأجلاء الشيخ حسونة النواوى شيخ الأزهر ومفتى الديار المصرية. والشيخ بكرى عاشور الصدفى والشيخ عمر الرافعى الحنفيين. والشيخ أحمد الرفاعى والسيد على الببلاوى المالكين. والشيخ محمد حسين الابريرى. والشيخ سليمان العبد الشافعيين. ولقد كان أعجاب اللجنة به عظيما وسرورها فائقا وجاوز المؤلف الميدان ظافرا منصورا! !
وتصادف أن المؤلف قبل أن يؤدى الامتحان ألف كتابا أسماه (الرسالة البديعة الرفعية. فى الرد على من طغى فخالف الشريعة) وخطبته ملأى بإشارات التصوف فطلب منه الأستاذ الشيخ عمر الرافعى قبل أن يغادر اللجنة أن يروح أفئدتهم بطرفه من التصوف، واستعان بالشيخ حسونة ليجاب الطلب. فقال المؤلف: " أن القلوب ممتلئة بحب الدنيا فلا تقبل شيئا من التصوف، ولازال مصرا على هذا الامتناع بعد إلحاح الشيخ النواوى. فتألم جد الألم الشيخ الرافعى ظانا أن المؤلف شامخ بأنفه متكبر، غير أن السيد الببلاوى أفهمه وأفهم الأعضاء أن الأستاذ محمودا صريح غير متكبر، وهو رجل جاهد نفسه، وتعلق بربه تبارك وتعالى!
[المؤلف يشق للأمة طريقا فى الحياة عمليا]
(وبعض الشيوخ يكيد له)
بعد نيله إجازة التدريس عنى جد العناية فى دروسه التى كان يلقيها فى الأزهر