للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يتجلى لك أن عناية الله تعالى كانت تحوطه وترعاه من بدايته. كان لوالد الشيخ الإمام حديقة واسعة الأرجاء. مساحتها ستة أفدنه أو تزيد، عدت عليها عوادى الدهر، واستلبت ثمارها أيدى الناهبين فشوهت جمالها، وأذهبت بهجتها، فما كان من هذا الوليد الفتى وهو رابط الجأش شجاع، له نفس أبيه تعاف الضيم، ما خالطها خور (١) العزيمة ولا جبن النذلاء (٢) كان لزاما عليه أن ينهض بتلك الحديقة يغرس أشجارها ويصلح أرضها، ويروى أزهارها ويشذب غصونها (٣) فإذا جن الليل واختلط، تعهدها بالحراسة غير مستسلم إلى الكرى " النوم " الذى لم يغمض له جفنا.

شاء الله تعالى أن تصبح الحديقة روضة أريضة (٤)، يانعة الثمر وارفة الظل (٥) دانيه القطوف " تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها " وتجود بأطيب الثمرات.

وحذق المؤلف غير هذا. النجارة والحياكة وفن البناء، وهو زراع ماهر صائد لا يخطئ الرماية، يصيب الطائر السريع سابحا فى جو السماء فيخر صريعا وفى الليل البهيم يصيد طيورا معتمدا على سماع صوتها.

[عبادة المؤلف]

اتصل المؤلف بعد بلوغه الحلم بالشيخ العارف بربه أبى محمد أحمد بن محمد جبل السبكى الخلوتى، فاشتغل بذكر الله كثيرا وجد فى الطاعة فكان يصوم النهار ويقوم من الليل مقبلا على مناجاة ربه علام الغيوب فى الأسحار. وربما صلى فى الليلة مائة ركعة مع كثرة ما لديه من أعمال النهار، فلاحت عليه علائم السعادة فأذن له شيخه أن يرشد المريدين إلى الطريق القويم، فدعا إلى طاعة الله تعالى،


(١) (الخور) بفتحتين، الضعف. وفعله خور من باب طرب.
(٢) (النذلاء) جمع نذيل أى خسيس.
(٣) (يشذب) يقال: شذب الشجر من بابى نصر وضرب القى ما عليه من الاغصان حتى يبدو.
(٤) (الاريضة) الحسنة الزاهرة بكثرة المياه فيها.
(٥) (وارفة الظل) أى كثيرته يقال: ورف الظل من باب ضرب اتسع وطال.

<<  <  ج:
ص:  >  >>