للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(وقال) ابن حزم: يحرم المشي بين القبور بنعلين سبتيتين، ويجوز بغيرهما عملا بالحديثين (١).

... (وأجاب) الجمهور عن حديث السبتيتين بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر الرجل بخلعهما لاحتمال أنه كان بهما قذر أو لاختياله بهما، لأن النعال السبتية إنما يلبسها أهل الترفه والتنعيم، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون السائر في المقابر على زي التواضع. وبهذا يجمع بين الحديثين (٢).

[(١٤) دفن أكثر من واحد في القبر]

لا يدفن اثنان فأكثر في قبر، بل يفرد كل ميت في قبر حال الاختيار، لأن الأحاديث دلت على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل واحد في قبر. واستمر عمل الصحابة ومن بعدهم على هذا. فيكره جمع اثنين في قبر إلا لضرورة، ككثرة الموتى وتعسر إفراد كل ميت بقبر، أو قلة الدافنين أو ضعفهم، فيجمع بين الاثنين والأكثر في قبر بحسب الضرورة، لحديث هشام بن عامر رضي الله عنه قال: جاءت الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقالوا: يا رسول الله أصابنا قرح وجهد فكيف تأمرنا؟ فقال: احفروا وأوسعوا واعمقوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر، قالوا: فأيهم نقدم؟ قال: أكثرهم قرآنا. أخرجه أحمد والبيهقي والثلاثة. وقال الترمذي: حسن صحيح (٣). {٣٥}


(١) (عملا بالحديث) وهذا جمع حسن. ولا وجه لمن غلط ابن حزم بأن سماع خفق النعال لا يستلزم أن يكون المشي بين القبور، لأن الغالب فيمن دفن الميت أن يمشي بين القبور. والأحكام ينظر فيها إلى الغالب.
(٢) انظر ص ٣١٢ ج ٥ مجموع النووي.
(٣) انظر ص ٥٣ ج ٨ - الفتح الرباني (دفن الاثنين والثلاثة في قبر واحد إذا اقتضى الحال ذلك) وص ٤١٣ ج ٣ بيهقي (ما يستحب من اتساع القبر وإعماقه) وص ٦٧ ج ٩ - المنهل العذب المورود (تعميق القبر) وص ٢٨٣ ج ١ مجتبي (ما يستحب من إعماق القبر) وتقدم نحوه رقم ٦٥٤ ص ٣٥٩ ج ٧ - الدين الخالص (ما يطلب في القبر) (والقرح) بفتح أو ضم فسكون في الأصل: الجرح، وقيل بالفتح: الجرح، وبالضم: أثره وهو الألم (والجهد) بفتح فسكون: المشقة (وأحضروا) أمر من حفر كضرب.