للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسفر. وأما من اعتبر الفعل فقال: إنه لا يجوز إلا فى السفر المتقرب به، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقصر قط إلا فى سفر متقرب به. وأما من فرق بين المباح والمعصية فعلى جهة التغليظ. والأصل فيه: هل تجوز الرخص للعصاة أولا؟ وهذه مسألة عارض فيها اللفظ المعنى فاختلف الناس فيها لذلك (١).

ولذا قال الحنفيون: يجب القصر فى كل سفر ولو محرماً.

(وقالت) المالكية: يسن القصر فى السفر المباح، ويكره فى المكروه، ويحرم فى المحرم.

(وقالت) الشافعية: يحرم القصر فى السفر الحرام، ويجوز فى السفر المكروه.

(وقالت) الحنبلية: يحرم القصر فى السفر المحرم، ويكره فى المكروه، ولا تنعقد الصلاة فيهما.

(قال) الشيخ منصور بن إدريس: ولا يترخص فى سفر معصية بقصر ولا فطر ولا أكل ميتة، لأنها رخص، والرخص لا تناط بالمعاصى، فإن خاف المسافر سفر معصية على نفسه، لإن لم يأكل الميتة، قيل له تب وكل لتمكنه من التوبة كل وقت. ولا يترخص فى سفر مكروه كالسفر لفعل مكروه للنهى عنه. ويترخص إن قصد مشهداً أو قصد مسجداً ولو غير المساجد الثلاثة، أو قصد قبر نبى أو غيره كولى. وحديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد (٢)، أى لا يطلب ذلك، فليس نهياً (٣) عن شدها لغيرها خلافاً لبعضهم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يأتى قباء راكباً وماشياً، ويزور


(١) ص ١٣٢ ج ١ بداية المجتهد (القصر).
(٢) (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) صدر حديث تقدم رقم ٣٤٨ ص ٢٤٠ ج ٣ (افضل المساجد).
(٣) (لا يطلب ذلك) أى الشد لغير المساجد الثلاثة (فليس نهياً .. إلخ) فيه أنه وإن لم يكن نهياً لفظاً فهو نفى أريد به النهى (قال) القاضى عياض والقاضى حسين: النهى للتحريم فيحرم شد الرحال لغيرها، ولا ينافيه إتيانه صلى الله عليه وسلم مسجد قباء راكباً، إما لأن النهى خاص بغير النبى صلى الله عليه وسلم، وإما لأنه إذا ورد نهى عام، وفعل صلى الله عليه وسلم فرداً منأفراد ذلك المنهى عنه، دل على أنه خارج عن ذلك المنهى فهو كالمخصص له. وأما زيارة القبور الزيارة الشرعية فالسنة الصحيحة آمرة بها، فهى إذن خارجة من حديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.