سبيل الإنكار، نبه بإنكارهم لما لا يعرفونه على تمام جهلهم وقوله:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} -[قد تقدم] الكلام في الإضلال والهداية، فأما الفاسق: فهو الخارج عن حجر الإيمان من قولهم: " فسق الرطب عن قشرة "، وكل كفر فسق، وليس كل فسق كفراً، وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم فسق حكم الإسلام وأقر به أو ببعضه ثم أخل به، وإذا قيل للكافر الأصلي فاسق، فلأنه أخل بحكم ما ألزمه العقل واقتضاه الفطرة، وللفاسق في انحلاله عن الإسلام ثلاث درجات: التغابي، والانهماك والجحود فبالتغابي: يرتكب بعض الذنوب مع استقباحه من نفسه، وبالانهاك: يرتكبها غير مبال بها، وبالجحود: يرتكبها مستصوباً لها.
[والكبير والكثير يتقاربان، إلا أن الكبير والكثير أكثر ما يقال في أخر الشيء المتصل] فالكثير في الأعداد والمعدودات المنفصلة:
إن قيل: كيف قال: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} والكثير والقليل إنما يقالان في شيئين يعتبر أحدهما بالآخر، والناس إذا فرقوا فرقتين فحكمت على إحديهما بالكثير، فالأحرى لا محالة قليلة، فكيف جعلهما كثيرين؟ قيل: إن ذلك باعتبارين، فقوله:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} يعني من حيث العدد، {وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} يعني من حيث الفضل والشرف.
وعلى هذا قول الشاعر:
" قليل إذا عدوا كثير إذا شدوا "
أو يحكم عليهما بالكثرة - اعتباراً بالإضافة إلى غيرهما -.