جعل الوزير بينه وبين رعيته، إذ هو يقبلون من الواعظ ماله قرب إلى قبولهم منه، وكذا الواعظ جعل بين العامة والحكماء، فإن العامة لا يقبلونه من الحكيم، وليس ذلك لعجز الحكيم، بل لعجز العامة عن القبول منه، وعلى هذا اللحم والعظم لما تباعد ما بينهما عجز العظم عن قبول الغذاء من اللحم، فجعل الله تعالى بحكمته بينهما الغضاريف التي بينهما، ولها مناسبة إليهما لتأخذ ذلك من اللحم وتعطيه العظم، وكذلك جعل تعالى الرسل بين الملك الذي هو من قبله تعالى وبين العباد لفضل قوة أعطاهو ليأخذوا منه الحكمة ويوصلوها إلى الناس، وبهذا الوجه قال تعالى:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا}، والخليفة يقال للواحد والجمع، وهاهنا [هو] جمع، فإن الخليفة لم يرد به آدم عليه السلام فقط، بل أريد هو وصالحو أولاده، فهم خلفاؤه وحزبه لقوله تعالى:{حزب الله}، وأنصاره لقوله:{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ}، وعباده لقوله:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، وعمارة في الأرض لقوله:{وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، والمقصود واحد بهذه العبارات وإن اختلفت بحسب الاعتبارات، وقيل سماهم خليفة لكونهم بعد جان سكنوا الأرض، فإن كل من تولى شيئاً بعد آخر يقال له هو خليفة، وعلى ذلك قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} وقوله تعال: {خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ}، وأما السفك، والسبك، والسفح، والسن، والشن، والصب، فمتقاربة، وبينهما فروق، فالصب: أعم من هذه الألفاظ، السفك: يقال في الدم والدمع، والسبك يقال للجواهر المذابة، والسفح: في الصب من أعلى، كسفح الجبل، وعنه استعير السفاح، والشن للصب عن القربة ونحوها، والسن يقاربه، لكن استعير السن في إماهة الحديد، وعنه بني المس والشن