للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للصب عن القربة ونحوها، والسن يقاربه، لكن استعير السن في إماهة الحديد، وعنه بني المس والشن استعمل في الغارة، وفي لبس الدرع، وذلك لتشبيه الدرع بالماء، وأجزاء الكتيبة بأجزاء السيل، وأما التسبيح فأصله السبح أي سرعة الذهاب في الماء، واستعير لمر النجوم في الفلك، ولجري الفرس، قال تعالى: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} أي: سعة ذهاب.

وسبحته عن كذا: أي نزهته، وتسبيح الله: تنزيهه بالقول والحكم و " سبحان " مصدر، ككفران، وجعل السبحة للتسبيح، وسمى الصلاة بها لكونها تسبيحاً والحرزات: سمى سبحة، ومعنى: (نسبح بحمدك) أي: نسبحك والحمد لك، أو نسبحك بأن نحمدك والتقديس: التطهير، وقوله: (نقدس لك) قيل معناه نطهر أنفسنا لك - إشارة إلى نحو قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} وليس ذلك إظهاراً للمنة، بل هو على حسب ما نقول مجتهد محب أن يفوض صاحبه إليه خدمة ما، فيقول: أتستعين بغيري وأنا مجتهد في خدمتك؟ وعلى ذلك قولهم: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} ولي قوله: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} على سبيل الاستشارة، فالاستشار استمداد علم من المستشار، والله تعالى منزه عن ذلك، وإنما ذلك إعلام، كإعلامه إيانا كثيراً من الكائنات لمصلحة ما،

إن قيل: فمن أين حكمت الملائكة على الإنسان بالإفساد في الأرض وسفك الدماء، وذلك إما ادعاء علم الغيب أو الحكم بالظن والتخمين، وهم منزهون عن ذلك؟ قيل: قد قيل إنهم قاسوهم على من كان يسكن الأرض قبل من الجان، فأفسدوا فيها، وقيل: وهو أصح أن الله تعالى كان قد أخبرهم بذلك، لكن لم يقص علينا فيما حكى عنهم تنبيهاً عليه بما ذكر في الجواب وذلك عادة القرآن في كثير من الأقاصيص المذكورة، كقوله تعالى في قصو يوسف عليه السلام: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا} وقولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا} ليس بانكار إنما هو استخبار مجرد ليعرفهم ما تسكن نفوسهم إليه ويرشدهم إلى ما يزيل شبهتهم وليسألوا عن ذلك ألا وقد أذن لهم في السؤال

<<  <  ج: ص:  >  >>