أما جملة وتفصيلاً، إن قيل كيف أدخل عليهم الشبهة حتى سألوا عن ذلك واستنكروه؟ قيل: إن الله تعالى لما خلق الإنسان جسمانياً وروحانياً وجعله مركباً من قوى ثلاث، قوة شهوية، وقوة غضبية وقوة ملكية فبقوته الشهوية يفسد في الأرض، وبقوته الغضبية يسفك الدماء متى لم تكونا مهذبتين ويتولى خلافة الله تعالى بقوته الملكية التي هي العقل، وعلى ذلك دل النبي - عليه السلام - بقوله " لما خلق الله العقل، قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك، بك أخذ، وبك أعطي "، فلما سمعت الملائكة أن الإنسان مركب من هذا التركيب ورأوا القوة التي بها تصلح لخلافته القوة التي خصوا بها ونظروا إلى رذيلة القوتين الأخريين ولم يعرفوا فضيلتهما استنكروا فراجعوا الله تعالى وقالوا: أما العبادة التي هي التسبيح والتقديس المختصة بالقوة الملكية، فنحن نقيمها، فما معنى الإنسان المركب تركيباً لا ينفك من فساد وقتل؟ فقال تعالى في جوابهم:{إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فعرض ولم يصرح ها هنا ليريهم فضيلة الإنسان وما خصوا به من العلم والعمل اللذين يفضلان الملك عنهما عياناً ومشاهدة والإجمال في هذه الآية بقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} هم المبين بما بعده من الآية التي [تليها] ..