الذي يأتي الله فيه المذكور في قوله:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} وهو الذي جاءت فيه الملائكة فيه يوم بدر وهذه إشارة منه عجيبة وأما المن: فمصدر من، أي أنعم وأصله من: مننت أي قطعت والمنة تتصور على وجهين، أحدهما: النعمة المقطوعة عن المنية، وعلى ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " وارغب لك رغبة من المال " أي اقطع، والثاني: السبب الذي يقطع الشكر ويحرمه، وهو المعنى بقوله:{لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} وبقولهم: المنة تهدم الصنيعة والسلوى أصله ما يسلى الإنسان، ومنه السلوان والتسلي، وقال مجاهد: المن صمغة، وقال قتادة، وهو مثل الثلج، وقال الربيع: شراب كالعسل، وقال السدي: هو الزنجبيل، وقالوا: السلوى: طائر كالسماني، وأما قول ابن عباس - رضي الله عنهما - المن الذي يسقط من السماء على الشجر فيأكله الناس، والسلوى طائر، فقد قال بعضهم: إن ابن عباس - رضي الله عنهما - أشار بذلك إلى ما يرزق الله بني آدم من النبات واللحوم وسائر الخيرات، ودل على ذلك بهذين المثالين، قال وعلى هذا قول غيره إنما هو مثالات ..
وقوله:{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} قد تقدم الكلام في الرزق، وأنه بالنظر الخاصي ليس يتناول الأعراض الدنيوية فقط، بل جميع ما خولنا ومكننا منه من النعم الثلاث النفسية والبدنية والخارجية ولم يرد بالطيب المستطاب بحاستي الذوق والشم، بل المستطاب من كل وجه محسوساً ومعقولاً وعاجلاً وآجلاً، والطيبات من الطعام هي المتناولة بحكم العقل والشرع من حيثما يسوغ تناوله في وقت ما يحتاج إليه [إلى تناوله وبقدر ما يحتاج] غير مسرف فيه ولا مشتغل به عما خلقنا لأجله ومتى تؤول على هذا الوجه يكون طيباً على الإطلاق وإلا فإن طاب من وجه خبث من وجه وعلى ذلك