قوله:{كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} وقوله {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} وإذا عرف هذه الجملة علم أن من قال الطيبات اللذيذات نظر نظر حس، ومن قال الحلال والحرام نظر نظر معقول، وقوله:(وما ظلمونا) لما كان الله ذكر أفعالاً تجري مجرى معاملات بينه وبين العباد كمعاملة العباد بعضهم مع بعض، من نحو الاستقراض في قوله:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} والابتياع في نحو: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} ووصف نفسه بشكره لهم كشكرهم له ومحبته لهم كمحبتهم له ونصرته لهم كنصرتهم له، وموالاته لهم كموالاتهم له، وذكر مخادعته لهم كمخادعتهم له تعالى الله عن القبائح وسائر ذلك من الأفعال التي تجري بين المتكافئين بين تعالى أنه لا يعتقدن [به] معتقد أني إذا فعلت به فعلاً حسناً مما إذا فعله إنسان بآخر ولم يقابله بمثله كان ظلماً منه له أن يكون قد ظلمني في ذلك، ولكن قد ظلم نفسه وضيع حظه، إذ هو منزه أن يلحق نقيصة، إذ قيل: كيف يعلق قوله: (وما ظلمونا) بما تقدم قيل: معناه: قلنا لهم: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} فخالفوا، وما ظلمونا بمخالفتهم، وفي الآية تحذير لنا من كفران النهم وتلقيها بالبطر، وأن ما تعامله به من إساءة وإحسان فعائد علينا منافعه ومضاره ..