وعلى الثاني قوله:{يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ}، وتلا عليه كذب نحو روي عليه، وقال عليه، (ويقولون علي الله الكذب) وأما السحر فقد اختلف في مائيته على ثلاثة أوجه، ولابد من تبيينه لينبني كلام الله عليه في هذه الآية وفي غيرها من الآيات في ذكر السحر، فالأول: ما ذهب إليه أكثر الجدليين، وهو أنه اسم خداع وتخييلات لا حقيقة له، وإنما اعتماد الساحرين على شغل القلوب بشعبذة صارفة للأبصار وتمتمة عميقة للأسماع ولصرف الأبصار، قال تعالى {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ}، ولشغل الأسماع بالنميمة، قال: فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، قالوا: ولهذا سمي البيانالرائق سحراً، والثاني ما ذهب إليه الأغشام من العوام وجماعة من الأشرار، وهو أنه اسم لفعل من قوته تغيير الطبائع ونقل الصور، كجعل الإنسان حيواناً أخر وذكروا من ذلك خرافات توصلت بها الملحدة والبراهمة إلى إبطال النبوات والمعجزات، والثالث ما ذهب إليه محصلة أهل الأثر وعامة
المتوسمين بالحكمة، وهو أنه عمل يقرب إلى الشيطان بمعونة منه، وذلك أن توقع الساحر وهمه على أمر يريد فعله بالغير لافظاً بكلمات من الشرك ومادحاً للشيطان مستعيناَ به والدي يحتاج إليه في معرفة ذلك مقدمة، وهي أن الجواهر المكلفة ضربان جسماني محسوس، وروحاني معقول، فكما أن الجسماني بالقول الجمل ثلاثة أقسام: خيَّر، وشرير، ومتوسط، كذلك الروحاني، فالخير من الروحاني الأرواح المقدسة، وهي الملائكة، والشرير شياطين الجن والمتوسط مؤمنو الجن كمن نزل فيهم سورة
الجن، ولا كانت الملائكة لا تواصل ولا تعاون إلا خيار الناس كل متأله نقي، وكل ناسك تقي متشبه بهم في المواظبة على العبادة والتقرب إلى الله - عز وجل- بالفعل والقول، كذلك الشياطين لا تواصل ولا تعاون إلا الأشرار من الناس كل مشرك خبيث عابد للشيطان معاند للرحمن، ولهذا قال: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}، وقال:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}، وقال:{شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}
إن قيل: لو أمكن الإنسان من جهة الشيطان الوقوف على الأخبار الغائبة والأفعال